وأعين العامة تتصادم حيرى متسائلة عند مفترق الطرق:إلى أين السبيل ؟! حقا خُلِق الإنسان هلوعا !

الفصل الأول " كورونا على الأعتاب"

لم تكن الأحوال تماما على ما يرام قبل ظهور السفاحة كورونا، صحيح أنّ الجميع يسير في دائرة الحياة الرتيبة إلا أنها كانت كقِدْرٍ يغلي على نار هادئة، وكل ما يدور حولنا يُنبئ بحدثٍ جللٍ ينضج في الحلّة ليكون ذواقا للجميع. فالمعلم يتوجه لغرفته الصّفيّة متثاقلا، وآخرُ يسابق الزمن ليُنهيَ مهامه قبل أن ينكث العهد معه، أما الطلاب فلا ينفكون يطلقون عبارات الشكوى والتململ، وأن طاقتهم قد استُنفدت مع بداية الفصل الدراسي ، وأرباب البيوت يلهثون لتأمين قوت يومهم الذي بالكاد يحظون به، كان الواحد منا ترتعش أرنبة أنفه إثر كلمة أو نظرة، وقلّما تجد من يمدّك بالبشر والإيجابية، ولو صحّ الإيجاز لقلنا: إنّها ليست رمانة إنّها قلوب مليانة.


ولا عجب فنحن نعيش في. مجتمع أشبه بمحاربٍ منهكٍ خرج من عام 2019 بخسائر جمّة ليلقي بجثمانه في مقبرة 2020 .في الوقت الذي كان يتطلع فيه البعض أن تكون الأخيرة المسعف والطبيب لمجتمعاتنا. لكن ممّ ستداوينا يا ترى؟ من بطالة أبنائنا أم غلاء المعيشة أم الضرائب المتصاعدة أم.. أم.. وها هي تطل علينا سنة 2020 حُبلى بالمفاجآت ويبدو أن المخاض جاءها مبكرا ، ولم يعلم أحد أنّ رحمها موبوء بالكورونا.


في البدايات لم نأبه كثيرا للأحداث الجارية في الصين، التي كانت فِلمًا كارثيا سرعان ما تحوّل إلى سيل زاحف نحو بلداننا العربية، وكانت ردة الفعل الأولى لحكومتنا إعلان عطلة رسمية للمدارس وفرض الحجر الصحي بعد أول إصابة في النصف من آذار، وتبدأ رسائل التحذير والترهيب على مواقع التواصل الاجتماعي بخطورة الوضع وتأزمه، والغريب أن أصحاب هذه الرسائل سرعان ما يقدمون اعتذارا صريحا على رأيهم الاول. لم تختلف ردود الأفعال كثيرا، خلت البيوت من أهلها واختنقت المؤسسات والمحلات بالمشترين للتزود بما أرشدتنا إليه وزارة الصحة من معقمات وكمامات ومؤونة غذاء، مشاهد الازدحام ليست بجديدة تعيد نفسها في الأعياد أو في التقلبات الجوية ،المسلسل ذاته ونحن أبطاله،


مع أن الانسحاب كان دوما خياري الأمثل ، إلا أنني اخترت أن أجاري التيار ، لأعاين بأم عيني هلع الشراء والتجمعات التي تتنافى والإجراءات الوقائية، وأعين العامة تتصادم حيرى متسائلة عند مفترق الطرق:إلى أين السبيل ؟! حقا خُلِق الإنسان هلوعا !أعترف أن مشاعر الريبة تملكتني بداية الأمر.. وارتأيت أن أفر بنفسي بعيدا عن هذه الصراعات.. فأصل البيت وأبدأ إصدار تعليماتي لأبنائي الذين انهالوا علي بتساؤلات لم أخمن إجاباتها عن كنه هدا الوباء وما سيؤول إليه حال المدرسة والغائب البعيد القريب. وانا في حالة من الذهول والترقب أجدني وخصماي على طاولة مستديرة : الأول كورونا التي تترصد بالجميع وتتغذى على هواجسنا وتختلس الطمأنينة في صميمنا من جهة وتتسلى على حماقة البعض ورعونتهم من جهة أخرى. والخصم الثاني الغربة التي ابتلعت أغلى أحبتي رهينة في جوفها، والأيام تقف حكما بيننا تُنصفني وتواسيني حينا، وحينا آخر تُغرقني بدوامة اللوم والتأنيب... وتبقى كلمة الله هي العليا.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

صباح الخير

إقرأ المزيد من تدوينات سهى أبو الرب (سُقيا الظمأ)

تدوينات ذات صلة