(أكرموا جِوار نِعَم الله، فإن النِعمة إذا نفرت قلّما تعود)
وقفة في محراب النّعَم
مخطئ من اعتقد أنّ النائبة بدأت مع كورونا، إنّها القشّة التي قسمتْ ظهر البعير، بعد انغماس الأرض عميقا في تجاوزات الخَلْق وتماديهم وظلمهم لأنفسهم، هي الدرس الذي سيُلَقَّنُه كلٌّ لا محالةَ لينادي بعلوّ صوته هذا ما اجترَحْتُم بالنّهار.
كانت النّعم تُساقُ إلينا بتدابير الواهب المنّان وتصاريف المتحكِّم الرحمن، تنهالُ الأرزاق على الخلائق ليرفلوا في رغدها ليلهم ونهارهم، فهل أدركنا حقا أنّنا مطوقون بالنّعم جُلّها ودقّها؟! بل نتعثّرُ بها أينما توجّهنا؟!
نعمٌ ألِفْناها حتى فقدْنا الشعور بها، ما أبشع الاعتياد حين يئد الإحساس!! بل يسلبنا التمتع بأدقّ تفاصيلها. غاب عنّا التأمل والإدراك، فحُرِمْنا تلمُّس الجمال في صحوة النهار تغزوه خيوط الشمس فيضا من نور الله، وغشيت الأعين عن جمال العافية جنبا إلى جنب مع العمل، إذ كان التذمر والتهاون شعارا يُرفعُ بدل الجدّ والأمل، ونسينا أن الكلمة الطيبة واليد التي تمد لك حبالا موثوقة من الدعم والتقدير رزقٌ ومبعثٌ للسعادة والجمال في النفس، غفلنا تعليمَ أبنائنا منطق الحمد وأنّ النعمة عروسٌ مهرها الشكر، وخيرُنا كلُّه أن اختارنا المولى لنعيش الرشاد والإسلام في الوقت الذي يحيا الملايين منهم الضياع.
الآن في زمن الكورونا عزّت الأعمال والوظائف والمشتريات وزيارة الأهل والأحباب، وأصبحنا جماعات تأتلف وتتواصل عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وحنّت الطرقات لازدحام الناس والسيارات في شكلها الطبيعي دون طارئ او حادث مستجدّ، وزهدت المساجد بتكبيرات المصلين وحناجرُهم تصدح بكلمة آمين، وباتت النفس تهفو لنسيم الهواء وصفاء المياه وألوان الشجر ورائحة التراب ممزوجة بقطرات المطر ، بل يتوق الواحدُ منا لمصافحة صديقٍ أو قريبٍ أو أنسِ محادثةٍ مع نديم. رحم الله من أجمَلَ هذه النعم بعبارةٍ ذاتِ مغزًى وقيمةٍ حين سُئِل : هل رأيت الله؟ قال: كثيرا. قال: كيف؟ قال: حين سترني ورزقني وعافاني ووفّقَني وأطعمني وسقاني. ولعلّ النعم تُخفى في طيّات النّقم، كورونا وإنْ طغت، قصدتْ إلى زمن انتهى فيه الرسل ، برسالة بيّنة في قوله تبارك وتعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) أي : " بنعم الله ..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات