بعض رسائلنا تتضمن أهم آمالنا و آلامنا..وقد تعود إلينا لتذكرنا بما كنا عليه..

اعتدت منذ أعوام طويلة خلال سفراتي الطويلة أو القصيرة للدراسة أو السياحة أو العمل..أن أتواصل مع أصدقائي المقربين بالرسائل البريدية التقليدية..أنقل إليهم على صفحاتها تفاصيل يومياتي وأخباري وتجاربي وانطباعاتي..أشاركهم أفكاري وتطلعاتي..أبثهم همومي وآلامي..أعبر لهم عن قلقي و ماقد يشغل بالي..وأطلب من بعضهم تفسير أحلامي..كما أبعث إليهم أحيانًا ببعض مسودات تقاريري وأبحاثي. وبعد إرسال تلك الرسائل أترقب بفارغ الصبر ردودهم عليها وأقلق من تأخرها..وحال وصولها أنكب على التهام محتواها وأعيد قراءتها مرات ومرات..فأبتهج لتعليقاتهم..وأتفاءل بتفسيراتهم..وأهدأ لتطميناتهم وأفكر بعمق في نصائحهم و أقدر توصياتهم. استمرت تلك الممارسة المعتادة وتحول كثير منها عبر الزمن من البريد الورقي إلى الإلكتروني.


بعض هؤلاء الأعزاء يفاجئني من وقت لآخر برسالة واتساب مفاجئة بها صورة لصفحة من إحدى تلك المراسلات..أقرأها بدهشة وأتعجب من محتواها..وفي كثير من الأحيان لا أذكرها..فبعضها عن أمور أستغرب من اهتمامي بها، وبعضها عن تطلعات كنت قلقًا بشأن مصارحة الآخرين بشأنها..وبعضها عن آمال وأحلام تحققت بحمد الله بعد سنوات طويلة رغم أنها بدت حينها شبه مستحيلة. ماتعلمته من هذه التجربة هو أنني أتغير بشكل مستمر حتى لو كنت لا أدرك ذلك أحيانًا.

الكتابة الوجدانية شكل من أشكال التعبير الفريدة في طبيعتها وجمالها وقدرتها العجيبة على مساعدتنا لمواجهة خواطرنا وتعملنا منها بدلاً عن الاحتفاظ بها في دواخلنا.


تذكرني تلك المراسلات والتذكير بها بتقليد يقوم به بعض طلبة المدارس في الغرب حيث يطلب منهم أساتذتهم كتابة رسائل لأنفسهم يسلمونها لمدرسيهم ليحتفظوا بها في "كبسولة المستقبل"، ثم يتولى المدرسون إعادة إرسال تلك الرسائل لهم بعد سنوات ليقرأوها ويتأملوا في أفكارهم و يستحضروا نموهم و تغير اهتمامهم ونضج شخصياتهم. حتى بعض المنظمات تقوم بهذا التقليد فتجمع بعض وثائقها ومنتجاتها في كبسولات معدنية محكمة ثم تدفنها لتفتحها بعد سنوات عديدة.


الكتابة الوجدانية شكل من أشكال التعبير الفريدة في طبيعتها وجمالها وقدرتها العجيبة على مساعدتنا لمواجهة خواطرنا وتعلمنا منها بدلاً من الاحتفاظ بها في دواخلنا. إن مجرد كتابتها إما أن يبددها إن كانت مخاوفًا..أو يهذبها إن كانت أفكارًا..أو يضعنا على مسار تحقيقها إن كانت أحلامًا..كما أن الكتابة وسيلة حفظ قصص التاريخ واستخلاص العبر وتناقلها عبر الأجيال، وانتشار الكتابة حاليًا على الهواتف الذكية كوسيلة من وسائل التواصل وبديل منافس للاتصالات الصوتية هو فرصة مميزة للتواصل النوعي الجميل المقروء مع الأحبة والأصدقاء.


كم أنا محظوظ بتلك المراسلات و ممتن لهؤلاء الأصدقاء لتحملهم لبعض تلك الهراءات و احتفاظهم بتلك الذكريات..ولازلت أتطلع منهم إتحافي ببعضها فيما يتيسر لهم من الأوقات.




إقرأ المزيد من تدوينات رأفت محمود زيني

تدوينات ذات صلة