كأنني سمعت همسا من لب تلك الغيمة .. أكاد أجزم أنه همس قلبي قادم من لبّها !
لمحت نورها عن بعد عشر سنواتٍ شعريّة أدبيّة ... لمسته بيدي البُنّيتين الناعمتين .. أشعلت فتيل قنديلها الصغير المخبوء في الأعماق بنور قلبي .. ثم عاودت الرحيل مجددا 💜
ككل الطيور كنت أحب الهجرة .. هجرةً تنسيني غمّ انتشال الروح على الكف عند رؤية صيّاد يهوى رمي النبال بغية المتعة وحسب ! ، هجرةً تذكّرني بأيام الطفولة حين كنت وإخوتي نربت على جناحَي والدينا بأن لا يعتري قلبَيهما خوفٌ ولا قلق فأجنحتنا تعلّمت الطيران حقا من فرط متاعب الحياة ، تعلمت الطيران لرقّة قلبٍ يُجوهِر لبّها ،تعلمت الطيران من هلع المخلوقات على البقاء وخوف الطائرات من السقوط وجزع البشر لأجل الصعود ، تمنّيتُ هجرةً تنسيني رؤية كل حرائق المعارك المشتعلة في أرض البشر ، يا لهم من جهلة حقا ! ، يقتل بعضهم بعضا طوعا لوسوسةِ شيطانٍ لقلوبهم ونداءً حافيا لغمس عفن النفس بدماء ملذات الحياة ، التي يدّعون أنها ملّذات !!! ..
ماذا يجري يا ترى على كل تلك الأراضي الشاحبة الباهتة ؟!، ولكن على كل حال هذا لا يشغلني ، ما يشغلني الآن تلك الغيمة الوردية الفاتنة ، تكاد تسلبني قلبي ولبّ عقلي وكل كياني !، أي جمال هذا الذي يكتنف حدود ضبابها الغامض الممزوج بالحنان ، وأي وجهة يا ترى تقصد جناحاتها المتكأة على غصن السماء !
اقتربتُ قليلا من لحافها الذي توسّده هيامي، تحدثّت إليها بلهجة عابر يود أن يعقد رباط صداقة سرمدي تحفل له نجوما في الأفق البعيد وتصغي لخطابه غيوم الدرب العتيق ..
تهادى إلى سمعي بكاء قلبها ، تُراها تبكي أم أنه قلبي له صوت يشبه صدى صوت قلبها ؟!
تناثر ضياء الليل بعد مغيب المغيب ، واشتعلت قناديل السماء بنور النجوم ، لكنني بقيت أتمسك ببقايا أمل أن لا تردني خائبا وتنطق بالجواب ، فجاء الجواب يغادر روحها على استحياء ، وهي تمطر بالبكاء وغزارة الحزن تهلّ على وجهي فأنصتّ لها ..
قالت والقلب في اضطراب : " إنني غيمة صغيرة .. طفلة لا تعرف إلا شروق الشمس والغروب وسماءنا الأولى ورحلات الهبوب .. نهب من أرض إلى أرض ، ولنا من كل أرض ذكريات وجزء منا عتيد ، ننتظر الفصول تلو الفصول حتى نغيب ..
أبكي كل ليلة مرات ومرات والسبب أراه عظيما يا صديق "
تلألأت عيناي وسألتها ما سبب بكاء غيمة وردية جميلة مثلك ،، فأجابت كما تنبأ قلبي
فقد قالت :
" إن أرض البشر تُروى بماء حبي وهم في طريق الظلام سالكين، فأين رأيت حبا يسقي أرضاً فيُنبت بدلا من الشجر حجرا وبدلا من الاخضرار اسودادا ؟ ، كيف ينسى البشر نعم ربهم ويتبجحون ؟!، كيف يقتلون وينهبون ويظلمون وينسون عقاب الخالق العظيم ؟! قل لي بربك كيف ينسى المخلوق خالقه ويستعمل ما وهبه لتخريب الأرض بدلا من إعمارها وهو المستخلف فيها ؟! ألا يخشى أن يستبدله الله بخير منه ويرسل عليه عقابا يجازيه به ؟! "
أجبتها كصديق يلامس قلب طفلة تجهل أرض البشر ..
" يا غيمة حزينة تجوب في فلك البكاء، أتدرين ؟! ..أكاد أجزم أن قلبي هو ذاته قلبك يقطن في لبّك الوردي ! ، أنا أيضا كان يشغلني كثيرا هذا البكاء على حال البشر لكنني أعلم الكثير عنهم فبتّ أرجو للطيبين منهم النجاة من ظلم الذين حولهم .. وللظالمين عقابا من الله يستحقونه ..
إنها القلوب يا غيمتي .. وما أدراكِ ما عالم القلوب! .. كانت وما زالت أرض البشر معتركا بين أتباع الحق وأتباع الشياطين ، أجل يا غيمة الحب والسلام ! ، إنّك تمطرين بقدرة الله ماءً نقيّا كنقائك إنه ماء سلامٍ وحب ..
الماء .. إنه سر الحياة .. عليكِ أن تعلمي أن كل بذرة لها شغاف ، شغاف ملئٌ بالأخلاق الفاضلة ، هذا الشغاف رقيق يا غيمتي ، لكنه يقوى بعزيمة الايمان القاطن في أعماق القلب ، وما تجوب حول هذه البذرة من أغبرة وأتربة فهي الأخلاق الذميمة .. ونور الايمان إن نما بنى درعا عظيما لا يرى ما حوله من ظلام ..
استمري بالسقاية فهناك كنوز ايمان تنتظر أصحابها ليبنوا بها درعا يقيهم من ويلات الدنيا ... فدعِ البكاء ولتنهمر قطرات ماءك على قلبي شجونا من فرح ، ودعينا نكمل الهجرة فلعلّها تنسيكِ ذكر البشر ! "
هبة الله
أ . ق .ح
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
بإذن الله ،شكرا لكِ حذامي 💜
واصلي يامبدعة