مهمتنا في هذه الحياة أن نرمي تلك الصنارة و نعد أنفسنا جيدا لالتقاط غنيمتها في يوم ما كما يفعل صديقنا الصياد على ضفاف البحر الأسود.


لازلت أذكر ذلك اليوم جيدا، اليوم الأخير من زيارتنا لمدينة أوردو التركية _مدينة صغيرة تقع على ضفاف البحر الأسود _ خرجت برفقة أختي مبكرا مع شروق الشمس متجهين إلى الساحل المجاور لفندقنا؛ لعلنا نلملم شيئا من ملامحها فتسعفنا بشيء من ذكرياتها حينما نعود .


عندما وصلنا إلى الساحل بدأت أتأمل في جمال ذلك المكان ، هواء البحر و نسيمه العليل يأخذك إلى عالم مختلف ، وصمت جميل في حضرة نوارسه ، شمس ذلك المكان التي احتلت بدايات سمائه فأضفت ببريقها على أمواج البحر فزادته لمعاناً، في كل مرة أسافر فيها و أتأمل في هذا الكون العظيم يزداد يقيني بأن وراءه خالقٌ مبدعٌ عظيم ، أحسن كل شيءٍ خلقه سبحانه .


جلست على حافة الساحل أتفكر في كل من حولي من كائنات ، لم ألمح سوى الصياديين من بني البشر ، كل منهم يحمل صنارة و دلو فارغ يلملم فيه غنيمته بعد يوم طويل ، يرمي الواحد منهم صنارته بين أمواج البحر الأسود لتبدأ رحلة الانتظار هناك ؛انتظار ملء ذلك الدلو بسمكات صغيرة ، لا أدري كم من الوقت يستغرق مكوثه هناك و لا أدري هل سيملؤه في نهاية اليوم أم لا ، هو فقط يستودع صنارته بين أحشاء البحر الأسود عند خالقه و يمكث .


حكاية صياد 92997505086282260




تسائلت بيني و بين نفسي كم نحن بحاجة إلى شعور الطمأنينه ذاك ، الذي يراود صاحبنا في كل مرة يرمي فيها صنارته ، كم نحن بحاجة إلى أن نكسر شعور اليأس و الإحباط في كل مرة عدنا بدلو فارغ ، نعم هي طبيعة بشرية تسكننا فصدق الله عندما قال :" إن الانسان لربه لكنود " _ أي جحود ينسى النعم في حضرة البلاء _ فإذاً هي طبيعة بشرية في نفس الإنسان بحاجة إلى ترويض و تهذيب ، فلا أعلم حقا كم احتاج صاحبنا من وقت ليتسلح بتلك الطمأنينه في كل مرة ينهض من جديد ليرمي صنارته في مكان آخر ، و لكنني على يقين أنه جاهد نفسه في كل لحظة انتاب الى قلبه شيءٌ من القنوط و التعب .


نعم هي الحياة كذلك مهمتنا فقط أن نرمي الصنارة و نترقب ، لا تدري في أي يوم و في أي لحظة تأتيك بغنيمتها ، قد تبدو في ظاهرها مهمة سهلة يسيرة ، ولكن حقا ما أصعبها من مهمة !، تحتاج إلى محاولات عديدة ، يتخللها اليأس تارة، و يعاود الأمل لدق أبوابها تارة أخرى ، مهمة تحتاج إلى الكثير من تهذيب النفس و الصبر الجميل الذي يرافق الدعاء في كل لحظة و حين .


مر الوقت سريعا فاضطررت لأودع المكان حاملة معي الكثير من الخواطر عن تلك السويعات القليلة هنا ، التقطت تلك الصورة في أثناء مغادرتي الساحل ، صورة اختزلت الكثير الكثير ، كل منا يرويها بأسلوبه ، حكايات لصيادين قد لا نحفظ ملامح وجوههم ، عبروا من هنا و نثروا صناراتهم و تركوا لنا رواية تلك الحكاية لنهايتها.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نور عمر الحسن

تدوينات ذات صلة