لو كان بيننا حبيبنا ورسولنا محمد، ترى كيف سيكون حال المصلحين وحال قلوبنا وحال بلادنا وحال الدنيا بأكملها!





القصة الأولى: قنديل قلبها شمس وورود



تتمايل أزهار الياسمين قرب بيت زينب (أم عمر).. تزدان الرياح برائحتها وتحملها إلى كل الأرجاء، تغوص في القلوب ترياقا من أدواء الهموم ثم تعيد الدورة نفسها مجددا.

كذلك كانت صاحبة تلك الشجرة المعطاءة، نبراسا في الظلمة، أنسا في الحيرة، ومشكاة حب في دروب الحزن.



حوار قرب مدخنة الإثم


_انظري إليها كيف تبرجت وخلعت حجابها. أنا متأكدة أنها ستقابله في بستان العم صلاح.

_ها قد أتى. حقا يا أسفي عليها. لا أشفق سوى على أبيها الذي ظن فيها خيرا .


مرّت زينب من الطريق وتوقفت جامدة وقاطعت النقاش بين الفتاتين قائلة :عجبا، أليست هذه ابنة الأستاذ بهاء !

أومأت الفتاتان بالإيجاب.

صُعِقَت زينب ممّا رأت، دافعت عبراتها، ثم صرخت بالفتاتان لتتوقفا عن التجسس وتنشغلان بما ينفعهما ولا تتكلما بما شاهادتا أمام أي أحد.



حيّ الياسمين العتيق


_ بالتأكيد هناك خطأ ما عزيزتي، يستحيل أن تتجرأ الفتاة على خلع حجابها هكذا دون رقيب ولا حسيب .

_ صدقني يا رامي لقد رأيتها جيدا ، لم اخطئ .

_عجبًا !

_عليّ أن أخبر والدتها يا عزيزي، من حقها أن تعرف ما تفعله ابنتها وتحاسبها لتقوّم اعوِجاجها ، الاستاذ بهاء جارنا وعزيزٌ على قلوبنا التستّر على هذا الأمر .

_ معك حق ، أخبريها إن سنحت لكِ الفرصة ولكن كوني لبقة في نقل ما جرى لها ، فهي ستتأثر كثيرا ، حاولي طمأنتها بان الفتاة تحتاج إلى حوار هادئ بينهما لتعود إلى رشدها .

_ حسنا حاضرة .


اتصلت زينب بجارتها أم سليمان وأخبرتها بأنها ستُعدّ المحشي للغداء اليوم وارادت منها العون ، فوافقت وقدمت إليها .


_ تعرفين يا أم سليمان، أنّ حيّنا صغير ، نعرف بعضنا بعضا ، نعرف هموم بعضنا وأحزاننا وأوجاعنا ...

قاطعتها أم سليمان قائلة : خيرا يا زينب.. أهناك خطب ما عزيزتي ؟


_هناك.. إنها ابنتك غيد، ابنتك الشقراء الجميلة.. صاحبة العيون الفاتنة .

_ خيرا زينب أخفتِني ما بها ..

_وجدتها تقابل شابّا غريبا.. بدون حجاب يستر شعرها يا عزيزتي . أنت تعرفين أن حيّنا صغير وقد يراها أحدهم ويظن بها سوءا كبيرا، وجب عليّ إخبارك. يجب أن لا يكبر الموضوع أكثر من ذلك.


بقيت الأم جامدة لدقائق.. مذهولة ساكنة.. كأنّ الموت سرى في جسدها لدقائق !

أيقظتها زينب من جمودها قائلة: كل شيء يحلّ بالتروي، عليك أن تجلسي معها، جلسة رفيقة إلى رفيقتها وتخبريها ان ما فعلَتْه شنيع بحقها وحقكم وحق الله قبل كل شيء .





جِدال !


لم يهدأ بال الأم حتى جاءت غيد من المدرسة. لم تكتفِ بتوبيخها بل أخذت منها هاتفها المحمول وحاسوبها ليتسنّى لها التفكير بالمصيبة التي انتشرت رائحتها .


فتحت الام باب الغرفة قائلة بحزم : لن أبقى صامتة. سأخبر والدك فهو سيحل المشكلة لا أنا .

_ أتوسل إليك أمي. لا تخبريه أرجوكِ! .ستدمرينني حتما!


عندما عاد الوالد إلى البيت فوجيء بعبوس وجه زوجته وانتبه لصمتها الحزين!

هزّ رأسه بينما كان يتناول طعام العشاء. ثم قال: لست على ما يرام يا حبيبتي . أهناك ما يشغلك ؟


أخبرَته زوجته بالحقيقة، نهض مشتاط غضبا ثم وقف لدقائق ودخل غرفة ابنته. دار حوار طويل واشتدّ للحظات ثم خرج إلى زوجته يخبرها أنها لن تذهب إلى المدرسة طوال هذا الأسبوع وفي الأيام المقبلة سيوصي أحدهم بأخذها بعد انتهاء الدوام الدراسي بسيارته .

ولن تحصل على هاتفها ولا حاسوبها مهما ألحت على ذلك.

ووضع ضوابط عديدة جدا تحول دون لقائها بذلك الشاب.


صرخت زينب في وجه أمها قائلة

ما فعلتماه قد أشعل نار الحقد في قلبي على تلك المعلمة زينب. لن أسامحها على ما فعلتماه بي أبدا..

كرّرت كلامها عدة مرات حتى جاء إليها أباها فهدأت وسكنت وبدأت بالبكاء

_صدقني يا أبي .. نحب بعضنا ..

_كفى.. كفى.. أخبرتك أن ما فعلته شنيعا للغاية ولا زلتِ تناقشين فيه بجرأة يا ابنتي!

لا أريد رؤية وجهكِ حتى تستعيدي عقلك وتعودين غيد القديمة.




كلماتٌ دافئةٌ



تتصل زينب بأم غيد لتطمأنّ عليها، فتأتي بعد العصر وتزورها ويدور النقاش التالي ..


زينب: ابنتي غيد لا تعلمين كم أنتِ غالية عندي وباقي فتيات هذا الحي كذلك. ينقبض قلبي عند رؤية إحداكن تتيه في دوامة الذنب هكذا.

ما فعلتِه كان فعلا سيئا ولا يليق بكِ كفتاة مسلمة مؤمنة. أرجوكِ لا تفهمي أنني أتصيد زلّتكِ هكذا.


ولم أخبر والدتك لأنّ هذا لا يليق بعائلتك؛ بل لأنه لا يليق بديننا ولا أخلاقنا التي تربّينا وكبرنا عليها يا عزيزتي.

صحيح أنّكِ ما زلتِ في عمر صغير نسبيّا لكنّ هذا لا يمنع من توبيخكِ وإثبات خطأكِ، فأنتِ فتاةٌ بالغةٌ وطالما أنّكِ وصلتِ إلى حالة البلوغ هذه لا بد عليكِ من التزام شرع الله من ارتداء الحجاب الشرعي وسَتر ما يكشف فتنتكِ وجمالكِ. وأمّا قلبكِ فله حكايةٌ طويلةٌ ها هنا.


ما رأيكِ أن أحدّثكِ عن قصة قلبي مع الحب بعد أن تُعدّي لنا ثلاثة فناجين قهوة.


غيد: حاضر أستاذتي.


أحضرت غيد القهوة وجلست إلى جانب زينب وأنصتت من جديد.


زينب: القلب حينما يحبّ يصبح خفيفًا كنسمة باردة تهب على المروج الفسيحة.

كقطرات الندى على أوراق الورود. كنجوم الليل يهتدي بها الحائرون في الطريق.

ولكن ليس كل ما ينبش بالقلب ويهز نياطه هو حب يا عزيزتي.


غيد: وكيف ذلك؟


زينب: هناك مشاعر جمّة تجتاح قلوبنا، ولزامٌ علينا أن نردّ بعضها ونودع بعضها الآخر في جعبة روحنا وقلبنا؛ كي لا تتهشم صورة الجمال في ذواتنا.

ذاتنا هي انعكاس مشاعرنا يا غيد.


حينما جاء زوجي أبا عمر لخطبتي. تهافت على قلبي حلو الكلام عنه من هذا وذاك. بدأ أخي بسرد جمال خلقه. وأما أبي بدأ بسرد حكاياته عن صلاة الفجر التي كان يؤدّيها أبا عمر جماعًة بالناس حينما يغيب إمام المسجد.

وأمّا خالي بدأ يخبرني عن جمال خِلقته وذكاءه وإخلاصه في عمله وفي خدمة أهله.

ألا ترين أن صاحب هذه المواصفات جدير بالثقة وجدير بأن أمنحه قلبي وعمري يا عزيزتي؟


غيد: بلى يا أستاذتي، إنها خصال نادرة.


زينب: قلبكِ يا غيد يجب أن يبقى عامرا بحب ما يستحق الحب فقط.

ولا تجعلي منه موقدا للحزن والشوق والضياع، لا تجعليه رهينة للحب فتتعسي.

انتبهي يا عزيزتي ما يحمله القلب تفضحه الجوارح، فلا تجعليه عشا لأحلام سخيفة ناقصة..


دعيني أتحدّث إليكِ مجددا عن ذلك الشاب، هل هو جاهز لطلب يدك؟

هل له مستقبل تام الملامح حتى يتقدم لطلب يدكِ؟

هل حقا هو يحبكِ؟ وهذا هو السؤال الأكثر إنصافا لحالتكِ عزيزتي.

فأنت تركت حجابكِ جانبا وركضتِ إليه والشيطان من زيّن إليكِ ذلك.. لتبدين جميلة أمام هذا الذي تنتظرين لقائه ليطير فرحا ويطير بك! أليس كذلك؟ّ!


أومأت غيد ثم هبطت دموعها شلالا؛ أسفا وندما على ما صارت إليه.


تابعت زينب:

لكنّه سيطير فرحا انتصارا عليك يا حبيبتي..قد انتصر عليكِ بأن أخذ منكِ الأوقات والجلسات والنظرات..


عودي إلى رشدكِ وعاهدي ربّكِ على أن لا تعودي لمثل هذا الذنب العظيم وتذكري أهلك وقيمة الوفاء لهم بأن تصوني نفسك دوما وتحفظيها من كل شيطان يبتغي جمالك دون عهد وعقد وثمن وتقوى من الله.




خاتمة



انتهى الحديث الذي دار بين غيد وزينب، ووعدت غيد زينب بالثبات على ارتداء الحجاب وأن لا تنسى ما قالته لها وما نصحتها به، وأن تأخذ عندها دروسا وتحفظ في البيت القرآني كتاب الله.


اعترفت بخطأها، وتابت، وندمت ندما شديدا. جلست مع نفسها في خلوة لتراجع صفحات الذنوب، ووجدت حقدها على زينب حينما أخبرت أهلها ثقيلا على قلبها بعد تلك الجلسة الدافئة، فدعت لها بالخير والبركات.

ورجت الله أن يحفظ قلبها من ظلمة الذنب وأن يجيرها من فتن الدنيا وأن لا تكون فتنة وتثبت على الحق.


تعلّمت زينب من أبيها كيف تسدي النصيحة للآخرين بأسلوب يجذب المذنب للحق ولا ينّفره منه أو يندده من رحمة الله وعفوه وفي الوقت نفسه يشعره بعظمة التفريط في حق الله مهما كان الذنب صغيرا.

تعلمت من سيرة رسول الله صل الله عليه وسلم كيف نزيح الغبار عن قلوب المذنبين ونريهم ما كان مخفيا عنهم من جمال الدين وحب الله وأوامره ومخافة غضبه وعقابه.










همسات قلب

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شكرا لكِ عزيزتي شهد ❤️

إقرأ المزيد من تدوينات همسات قلب

تدوينات ذات صلة