"الماضي قوتُ الأموات، الحاضرُ يصنعهُ الأحياء، المستقبلُ يرسمهُ العُظماء"


يقفُ العالمُ حائرًا أمامَ ميكروبٍ لا يُرى بالعينِ المُجرَّدة، وقد أطلقوا عليه لفظ "كورونا فايروس"؛ وبسببِ هذا المرض -الذي صُنِّفَ عالميًا بأنهُ وباء- توقّفَ كوكبُ الأرضِ عن العمل، أو كادَ يقف؛ لأنه بكُلٍّ بساطةٍ الظاهرُ أنَّ العالمَ لا يمتلكُ أقلّ الكفاءاتِ في إنتاجِ مُضادٍ حيوِيّ أو علاجٍ جذرِيّ لهذا المَيكروب الوبائِيّ.


كيف أدَّعي ألّا كفاءات ولا نتاج طِبّي جيّد في كُل العالم ؟


دعونا نجعل من هذه اللحظة نقطةُ وقوف، وننظرُ إلى مئةِ عامٍ سبقتْ هذه اللَّحظة، تقريبًا في عام 1921، عندما بدأت الحياة التعليميّة تزدهر أكثر في المنطقة الغربية (أورُبّا) والمنطقة العربيّة، خاصةً بعد انتهاء حروبٍ ونزاعات عِدّة. منها:

1- الحرب الأوكرانيّة السوفيتيّة.

2- الحرب البولنديّة السوفيتيّة.

3- الحرب التركيّة الفرنسيّة.


بعد هذهِ الأحداث زيدَت لِبْنةً على النهضةِ التعليميّة في سلّم الازدهار والتطوّر؛ فقد تم إنشاء الوزرات التربويّة التعليميّة والأكاديميّات والجامعات الطبيّة المختصّة.

فمثلًا على الصعيدِ الغربِيّ والعربِيّ في هذا العام بالتحديد تم إنشاء عدة جامعات طبيّة تطبيقيّة، وصُروحٍ تعليميّة عريقة مثل:



1- جامعة كولومبو (سيرلانكا) 1921

2- جامعة ليستر (بريطانيا) 1921

3- الأكاديمية الأوكرانية للطب (أوكرانيا)1921

4- جامعة فينيتسا الطبية الوطنية (أوكرانيا) 1921

5- جامعة ولاية آدمز (بريطانيا) 1921

6- إنشاء وزارة الصحّة الأردنية (الأردن) 1921

7- وزارة التربية والتعليم الأردنيّة (الأردن) 1921

8- جامعة شيامن (الصين) 1921

9- مستشفى كليفلاند كلينك (أمريكا) 1921



منذُ تلكَ الفترة إلى ما قبل جائحة (كورونا) ولا يزال التعليم تقليدي في صفوف اعتياديّة يرأسها مُعلِّم، ويتم ممارسة التفاعل الإنساني عن طريق الأخذ المباشِر من الأستاذ أو المُعلِّم وتطبيقه في المختبرات وإجراء التجارِب على الحيوانات والناس، أو مدارسة المعلومات واجتياز الاختبارات فيها.

ومع كل هذا الاهتمام بالتعليم والتدريس الوجاهي، وإنشاء الكليّات والجامعات والمختبرات الطبيّة المختصّة، ومنذ تلك اللحظة إلى الآن لم يستطع أحدٌ أن يخرُج بلُقاح لهذا المرض، بل ويُخشى أن تكون نهاية العالم على إثره.



دعونا نرجعُ إلى نقطة الآن، وننظُر إلى الأفقِ البعيد ونضعُ زمنًا مستقبليًا كنقطةِ تركيز،


انظر إلى عام 2121، ماذا نقرأُ في الصورة ؟


نقرأ في الصورة طلبةَ مدارسٍ تخرَّجوا من مدارسهِم بشهادةٍ معتَمدة من الشاشة التي كانت تعرض لهم جميعَ الحصص والمواد وتراهم شاخصينَ أمامها في كل درس ومحاضرة.



نقرأ في الصورةِ طلبةَ جامعات تخرَّجَوا إلكترونيًا بدرجاتِ امتيازٍ ومراتب شرفٍ عالية وهم شاكرونَ لمجموعات الغش في واتساب وماسنجر؛ لأنهم حازوا على هذه الدرجات بفضلها!

ماذا نقرأ في عام 2121 ؟13440553355969010



نقرأ في الصورة أطبّاءً وأخصائيين يُشخِّصون الأمراض عن طريق الفاحص اللّاسلكي وهم فارغوَن تمامًا من الشعور الإنساني الذي يترتّب عليهم الامتثال به أمام المرضى وَجاهيًا.



نقرأ في الصورة أحداثًا تاريخيّة لا تُنسى؛ كأن يتم توليد امرأة حامل في بيتها تحت عنوان:

"توليد نسائي عن بُعد".


نقرأُ إعلاناتٍ لشركةِ الاتصالاتِ الجديدة:

"اشحن رصيدك لتوليد زوجتك بكل سهولة وبأقل التكاليف".


"اشتراكاتٌ شهريّة لقياس حرارةِ طفلك وأنتَ في منزلك"


"ازرعْ عضوَكَ المفقود بضغطةِ زرّ"


نقرأُ خبرَ إصدارٍ لِهاتفٍ جديدٍ يدعمُ خاصيّة الــ icu المنزليّة عن بُعد.


في 2121


نقرأُ في الصورة روبوتاتٍ إنسانيّة لا تمتلكُ أدنى مِيْزة في المخلوق الإنساني، وهو الشعور، الإحساس، مراعاة الطرف الآخر، والاهتمام به.


ماذا نقرأ في عام 2121 ؟11884904141993546


نقرأ في الصورةِ غيابًا للعلمِ الحقيقي التطبيقِيّ الذي يُطلَبُ خدمةً للإنسان وتلبيةِ حاجاتهِ الأساسيّة كالتطبُّبِ والتعلُّم، يُطلَبُ العلمُ إعمارًا للأرض وصناعةِ الحضاراتِ الحقيقة لا الشهاداتِ الالكترونيّة، وإلّا ماذا نصنعُ بمصطلحاتٍ نحفظُها، وأكاسيدَ نعرفُها، وشهاداتٍ مُزيّفة طُبِعت عليها أسماءُ أصحابها إذا لم نخدمِ الإنسانَ ونقدّم لهُ سبلَ الأمانِ والصحّة في أدنى مراتب الرفاهيّة للإنسان.!!



في مثل هذا التعليم الالكتروني الذي يتوجّه له العالمُ بكُل أطيافه، لن يتمّ تصوّرَ أيّ إنجازٍ حقيقي على مدى مئةِ عامٍ قادمة؛ لأنهُ قديمًا قيل:

"مَن كان شيخُه الكتاب ضلّ صوابه"

فكيف إذا كانت شاشةٌ صمّاءُ تنقلُ لنا صوتًا متقطِّعًا، وشاشةً سوداء خاليةً من أيِّ تعبيرٍ جسدِيّ للمُعلِّم، وخاليةً من أيِّ ملامحَ تشجيعيّةٍ للعقلِ الإنسانِيّ المُبدع.


شاشةٌ جامدةٌ لا يُمكنكَ تعلّم السمْتِ الصالح منها، ولا التطبيق التجريبي الطبّي، ولا الصنع المادّي الحِرَفِيّ، إنكَ تقفُ مُجردًا من تعابيرِ جسدِكَ وإيماءَاتك، تجلسُ أمام مُعلّمك (الشاشة) ساكنًا صامتًا لا تنبسُ ببنت شفة، حتى تصلَ لمرحلةٍ تجعلكَ تسيرُ على قدمَيْك وكأنكَ حديثُ عهدٍ في المشي، فتُراكَ روبوتًا أصمًّا تحوي العلمَ ولا تفهمه، وتؤدي ما عليك بصفة برمجيّة بحتة.


ماذا نقرأ في عام 2121 ؟47200418328559304




إنَّ التعليم الوجاهِيّ لهوَ أثمرُ أنواع التعليم، ولم يظهر تعليمٌ كافَأَ بمزاياهُ هذا الشكل من أشكال التعليم المختلفة، إذ إنكَ في التعليم التقليدِيّ الوجاهِيّ تكون مُتعلِّمًا حقيقًا تحملُ معك عقلك وشخصيتك وإبداعك وتطوّرك واهتمامك وشغفك حتى تُقدِّم شيئًا ماديًا للعالمِ بأسره، ولا تكون الشهادات والألقاب هدفك الوحيد والأوحد.

التعليم التقليدِيّ مُرادُ الشعوب العاملة، وهو الشكل الأهم في محاولة تقديم الجهود الإنسانيّة لهذا العالم، وإلّا لا للتعليم إذا اقتصرَ على صورٍ رَقْميّة لحبرٍ وورق تُكدَّسُ على أسلاكٍ اتصاليّةٍ مُعلقةً في الهواء والفراغ.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

هنيئًا لك 🎉

إقرأ المزيد من تدوينات محمد نور الظريف

تدوينات ذات صلة