في هذهِ الوَرَقةُ سنناقِشُ فكرةَ التعلُّمِ وأثرهُ في صُنعِ الإنسان.

إنَّ الرَّغبةَ في التَّعلُّمِ واكتسابِ المعرفةِ فِطرةٌ فطرَ اللهُ الإنسانَ عليها؛ فكلُّ طِفلٍ هو أرضٌ خصبةٌ لزرعِ الأفكار والمعلومات.


عندما نُطلِقُ لفظَ إنسان؛ فإننا نعني ما عناهُ الفيلسوف الفرنسِيّ (جون بول سارتر): "هو البدايةُ والنّهايةُ لكونِهِ الكائنَ الوحيدَ الذي يسبِقُ وجودَهُ ماهيَّتُه، وهو شرطٌ يجعلُ منه كائنًا حُرًّا في أفعالِهِ واختياراتِه؛ لأنهُ مشروعُ ذاتِه فقط، فهو ما شَرَعَ في أن يكونَه، وهذا ما يجعلُهُ يمتلكُ كينونَتَهُ كاملة، فهو أصلُها ومُنتهاها، هو البدايةُ والنّهايةُ الّتي ما تَفتَأُ تكونُ وتتحقَّقُ في الزّمان".

هذا المشروعُ الضَّخم الذي يتأثَّرُ ويُؤَثِّرُ في بيئتهِ ومُجتمعِه، والّذي تتوقُ فِطرَتُهُ إلى التَّعلُّمِ واكتسابِ المعرفة، ليس لذاتِ المَعرِفة؛ فهي مَوجودةٌ في الكُتُبِ ومحفوظَةٌ في المَكتبات، ولكن لذاتِهِ ولكينونَتِه، فلا يكونُ الإنسانُ إنسانًا إلّا بتصرُّفاتِهِ وردودَ أفعالِه، ويكتسبُ الإنسانُ المَعرِفَةَ الّتي تُتَرجَمُ معَ الوقت في سلوكِه وفي واقعِهِ المَعيش؛ فيُصبِحُ الطّفلُ (التّلميذُ) بهذه المعلوماتِ التَّراكميّةِ مُثقَّفًا لا خازِنًَا، إذِ الثَّقافةُ سلوكٌ عملِيٌّ لا معلوماتٌ مُكَدَّسة، وهذا فَرقٌ جَوهَرِيّ بينَ الإنسانِ والآلة.

فعلى الطالبِ -دومًا- أن يكتِسِبَ العِلم ليصقلَ شخصيّتَه، ويطوّرَ من نفسِه؛ لينعكسَ هذا -كلّه- على تعاملِهِ وردودِ أفعالِه، عندئِذٍ يستطيعُ أن يُقيِّمَ نفسَهُ، هل أنا قاعدةُ بيانات أم إنسان؟!


أستَذكِرُ معكم -أيُّها القُرّاء- حديثَ الرسولِ محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- "إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، و مَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ"(1)؛ فالعِلْمُ لا يكونُ فجأةً، كما المشروع تمامًا؛ فلا بُدَّ لكُلِّ مَشروعٍ من إعداد، وهذا الإعدادُ هو التَّعلُّم في مَشروعِ الإنسان.

فهل يكفي التَّعلُّم لأكونَ إنسانًا؟

هُنا جوهرُ الإجابة، وزِمامُ إحكامِ الأمر، ومُستَهَلُّ الطَّريق؛ فحتَّى تكونَ إنسانًا ينبغي لكَ أن تُسقِطَ معرفتَكَ على واقعِك، وتنظرَ إلى تصرّفك في بيئتِك؛ فإذا لم تُفدْكَ المعرفةُ سُلوكًا قويمًا؛ فقد أثبتتِ المعرفةُ فشلَهَا في إنجاح مشروعك كإنسان، وإذا خلعَتِ المعرفةُ عليكَ رداءَ حُسنِ الطَّبعِ وإحكامِ الفِعلِ وجَودةِ التّعامُل؛ فأنتَ بدأتَ بوضعِ اللَّبِنَةِ الأساس في المشروع، وعندئِذٍ تبدأُ بصقلِ هذا الإنسان مع الوقت ومرورِ الزَّمن وتشذيبِهِ وتهذيبِهِ ونَحْتِه حتى يصيرَ أمامَ النّاسِ أُنموذَجًا عاليًا يُحتذى بِه.


فَكِّر دائمًا كيفَ تتصرّف كإنسان، ولا تنصرِف لتكديسِ معلوماتٍ خاملةٍ تجعلُكَ قاعدةَ بياناتٍ جافّة.


_____________

(1) الألباني، كتاب صحيح الجامع الصغير وزيادته، ج1 ص461 (حديثٌ حَسَن).




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات محمد نور الظريف

تدوينات ذات صلة