الحذر مطلوب في كل الأحوال، والحذر لا يعني عدم الثقة وإنما يأتي مقرونا بها ، ثق ولكن لا تنس أن تكون حذرا .


يحكي أن رجلا أراد اصطياد فأرا عاث في منزله فسادا ، فأحضر مصيدة كان يحتفظ بها منذ أمد بعيد ، ورغم قدمها والصدأ الذي يعلوها إلا أنه وضع بها بعض الحب على أمل أن تجذب الرائحة ذلك الفأر فيتخلص منه بسرعة ، ولكنه وفي اليوم التالي وجد أن الفأر قد التهم الحب ولم تطبق المصيدة فكيها حوله ، أثار الأمر استغرابه فكرر ذلك عدة أيام ولكن بلا فائدة ، وما أثار غضب الرجل أن الفأر استساغ اللعبة فبات يتنقل من مكان لمكان دون خوف أو وجل ، ظنا منه بأن الرجل يطعمه ، ولم يدر بخلده على ما يبدو ما هي نية الرجل الحقيقية ،فقد أحس بالأمان طالما أنه يطعمه كل يوم ، وقد فطن الرجل إلى تلف المصيدة ، فاستبدلها بأخرى جديدة وما أن أشرقت الشمس حتى رأى الفأر يركض نحو المصيدة مسرعا كعادته في الأيام الماضية لتطبق عليه بين فكيها لتنهي حياته بلمح البصر.

والشاهد في تلك القصة أن ما نأمنه في الحياة نتجه نحوه دون ترو أو تدقيق ولذلك قالت العرب قديما : من مأمنه يؤتى الحذر .

أي أن الشخص مهما كان حذرا فإنه قد يؤتى من المكان أو الشخص الذي كان يأمن جانبه ، فيترك حذره عند التعامل معه ومن هنا تبدأ القصة ، فلا تأمنن لشخص أو لشيء وتنسى حذرك فلا تدري متى تتقلب القلوب ومتى يصبح مصدر الأمان هو الشر بعينه، فقد ينقلب حال من أعطيته الأمان بلحظة أو بموقف وعندها تصبح الطعنه أعمق وأشد ألما. وكثيرا ما نرى هذا في العلاقات ، فتأتي الضربة ممن كانوا الأبعد عن ايقاع الأذية أو الضرر ،فنتخلى عن حذرنا ، فلا حذر حيث وضعنا ثقتنا ،وهذا هو الخطأ الذي يكلفنا الكثير من الحزن والكآبة وفقدان الثقة لفترات طويلة فلا نعود نثق بأحد ، وهذا كله بسبب ما يسمى بالثقة العمياء ، وهذا مصطلح علينا حذفه من حياتنا للأبد ، فلا ثقة مطلقة نهائيا إلا بالله عز وجل وما دون ذلك علينا أن نبقي الحذر مرافقا لنا طوال رحلة الحياة ، وهكذا نحمي أنفسنا من الندم لاحقا خاصة في علاقاتنا مع من نحبهم .

وللأسف فإن اشارات نهاية أي علاقة تكون واضحة وضوح الشمس ولكننا نغفل عنها لمكانة الشخص الأخر في قلوبنا ، فلا نسمع أو نرى إلا من خلال مشاعرنا وما اعتدنا على سماعة ، فلا تكاد تتبين نظرة الشماتة أو تلحظ رائحة الخيانة والخديعة، وكم كانت الطعنة في متناول اليد ولكننا غفلنا عنها ، وما أن تتلقى الطعنة الأخيرة حتى تدرك بأنك أغفلت صوت العقل واتبعت صوت القلب وأغمضت عين البصيرة عن الحقائق التي كانت واضحة وضوح الشمس ، ليبدأ بعدها عض أصابع الندم على ما لم نره ولم ندركه منذ زمن ، وهذا لا يعني أبدا أن لا نثق فيمن نحب ولكنه يعني أن لا نثق تلك الثقة العمياء التي لا ترى سوى ما تريد أن تراه، افتح عين القلب ولكن إياك أن تغلق عين العقل ، أبقها على مسافة قريبة لتتلقف أول الاشارات على أن هنالك ما يريب ، فالضربة التي تأتي ممن وثقنا بهم أشد ألما وأكثر ضررا لأنها أتت من الذين كانوا الأقرب للروح والقلب .



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كلام صحيح يلا نكتب مع مى عصمت .. شكرا لمرورك وكلماتك الرائعة 🌺🌺

إقرأ المزيد من تدوينات قلمي / عبير الرمحي

تدوينات ذات صلة