رسائِلُ الصادقينَ لا تضلُّ طريقها ، تعلمُ مُستلمها بلا عنوانٍ أو طابعِ بريد ، رسائِلُ الصادقينَ تُستلم بالقلوب لا بصناديق البريد.
في براثنُ التيهِ ، و شتاتِ نفسي ، اِستيقظتُ ذاتَ صباحٍ على عادتي .. أتممتُ صلواتي راجيةً أنّ تحدثَ الأمنيةِ التي أنتظرُها لسنينٍ بنفسِ اللهفةِ و بنفسِ الأمل ..
أنْ أجدَ طريقَ النجاة.. أن أتعرّف ملامحَ الطريقِ !
أن أجدّ الهُدى و النجومَ .. و أصلَ لشاطئ بحرِ التيهِ الذي بلل ماؤه قدماي حتى شعرّي و غُص بهِ صدري ..
كانَ هُنا كتابًا استعرتُه من أحدهم ..
كانَ كتابًا قديمًا أحببتُ بعض اقتباساتِه ، فقررتُ استعارتُه لفضولِ معرفةِ غايةِ كاتِبِه .. أن أشعُرَ بروحِ كلماتِه و هو يكتبها .. كعادتي أحبّ تقمصَ الشعورِ و إحياء الكلمات التي على السطور …
فتحتُ الكتابَ و بعد قراءة عدة صفحات لاحظتُ صفحاتِه المطوية التي لم تكن متساوية .. يتخللها الفراغُ على غير العادة .. تتبعتُ السبب ..
فإذا هيَ رسالةٌ مكتوبة بخطٍ جميلٍ ، إحساسُها مريحٌ غريب ، رائحتها كزهورِ الربيعِ ..
كُتبَ في قلبها :
إلى من تقعُ عينيه على هذه الرسالة ، أمًا بعدْ:
أعتقدُ أنّكَ الشخصُ المرادُ أخيرًا ، يبدو أن كلانا وجدّ ضالتُه أخيرًا .. ، لابدْ و إن كُنتَ ترى كلماتي الان أنكَ هنا لأجلّي و أنا هنا لأجلِكَ .
إليكَ يا من تقرأُ حروفي الآن :
حينما تتلو تلك الرسالة على مسامِعك سأكونُ أيضًا بطريقةٍ ما أشعُرُ بكَ و أسمعُك ..
ثمّ كان سطرًا هامشًا كُتبَ فيه :
سأبحثُ عنك كما ستفعلُ أيضًا حتى نلتقي ..!
……………
كانت رسالةً عبثية تبدو للوهلةِ الأولى ، رسالةَ. مُراهقٍ أو عاشقٍ ولهان ، دسّ قطعةً من الورقِ في أحدِ الأماكنِ ليجذبَ الانتباه أو من باب المشاغبةِ الشهوانية ..
إلّا أنّي و بطريقة ما لم أستطع تجاهلها ..، هاتفتُ صاحبَ الكتابِ أخبرهُ هل رأى تلك الورقة أو يعلمُ بها : فكانت اجابته النفي التام ..!
ما جعلَ الأمرَ يأخذُ منّي ما أخذ ..
حاولتُ الوصول بكلّ الطرق لصاحب الرسالة التي لا تحملْ عنوانًا و لا بريدًا ..
فقط هي كلماتٌ على سطور ..
تساءلتُ في نفسي لوهلة : على ما أبحثُ بحق !
رُغم استخفاف من حولّي بما يدور بخاطري و بما أبحثُ عنهُ إلى أنّي في مكانٍ ما أعلمُ أن تلكَ الكلماتُ لي.. أنا المقصودة ، أشعُرُ بذلك …و أنا أُصدق قلبي ..
إلى أنّ جاءَ يومٌ ما ، أذكرُ تاريخَهُ و ميقاته .. كنتُ في مكانٍ ألثمُ فيهِ بعضَ العُزلة..
كان شعورًا غريبًا حينها ، لا أدرِ لماذا تذكرتُ تلك الورقة .
أمسكتُ بها أعيدُ قراءتها .. و لكنْ بها شيءٌ غريبٌ اليوم !
أسمعُ صدى صوتٍ يقرأُها .. ليس بصوتي .. صمتتُ و لكنَّ تلاوة كلماتها مازال في أُذنّي !
حتى وجدتُه بينَ الجموعِ يتمتمُ بحروفها ..
وجدتُ صاحبَ الرسالة !
و قبلَ أن أنطقَ بكلمةٍ ، أشارَ للكتابِ الذي كان يحملُه بيديهِ …:
هذا هوَ ؟
كانَ الكتابُ ذاته الذي استعرتُه ..
أخبرني حينها :
أنّني وعدُتِكِ اللقاءِ و أنا لا أعرفُ اسمك أو شكلكِ .. لا أعلمُ حتّى كم من الزمن سأستغرقُ حتى أصل لهذهِ اللحظة ، لكنّ علمتُ قطعًا أن رسائلي ستصلُ .. كنتُ على يقينٍ أنّي أكتبُ ليس لمجهولٍ كما أدعّي !
إنما رسائلي كانت لقلبٍ علمتُ أنّه سيستقبلها .. سيقرأها .. و يشعرُ بها !
أعلمُ أنّ المئات قرؤا كلمات هذا الكتابِ و لكنها لم تصل سوى لكِ ..
حتى و إن كنتُ كتبتها بلا مستلم … كنتُ أعلمُ أن يوما ما سيأتي من يشعرُ بقلبي بين السطور ..
و هذا أنتِ !
هذا التيِهُ الذي كنتُ هائمًا فيِه ، و النجومُ التي كنت أبحثُ عنها في ليلِ النائمين ..
هذه هي هدايا القلوب .. هدايا الحيارى ..
وجدتُ ما كنتُ أبحثُ عنه ، قلبًا يصلُه رسائلي …
هذا ما كنتُ أتنفسُ من أجلِه .. أنْ أجدَ من يستلمُ رسائلي .. و ها أنا اليومَ وجدُتكِ بين الآلاف !
أرشدتنا قلوبُنا .. و كأننا منذ الخليقة وُلدنا معًا و افترقنا في الأرضِ و لكن تعاهدنا اللقا..
و كأني كنتُ أبحثُ عن شيءٍ افتقدتهُ لا شيء جديد ..
كنّا تائهينَ فقطْ ، و اِهتدينا ..
كنتُ أبحثُ عنك موقنٌ في تلافيفِ قلبي أنكّ هنا في مكانٍ ما و لكنّ درب الوصول يحتاجُ بعضَ الوقت ..
هاكِ تتعارفُ القلوبُ و تتآلف .. بهذه الطريقةِ تهتدي للحبّ الصادقِ ..
أن تشعرَ بالأُلفةِ رغم الغربة .. و تدركَ بقلبِك ما لا يدركه عدادُّ السنين ..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات