يعودُ السّيد ربيع؛ ليكتب رسائله للأصحاب الّذين أبعدهم الزّمان والمكان.
لصديقي البعيد، سلامٌ ومودةٌ ورحمةٌ. وبعد؛
شمسُ حزيران تٌشرق اليوم، ولكن درجات الحرارة كما لو كانت تعودُ لآب. تمضي الحياة، الأوراق تتساقط، والأغصان تجِف, وأنا على حالي إلّا أنّ هذهِ الأيام أضحت تُصَيّرني خريفًا، لا أصفها ثقيلة ولكنّها تمضي ببطئ، تتسللُ الرّتابة لأطرافي حتّى أصبحت غريبًا لا أعرفني.
لم أعُدْ حانِقًا على الأيام كما مضى، فذلك يحتاج لشموعٍ متوقدة بشُعل تتوهج، فالرّيحُ تقتحم نوافذ الشُّرف وشمعتي تُمسي خافتة.
أبصرتُ جانبًا كُنتُ أجهله في الأيامِ، الأشخاصِ والأصحابِ، وفي القليل من الذّكرياتِ. فأنا الّذي كان يعُدُّ ما يهوى على أصابعه أصبح خائفًا أن يسير يومًا بيدٍ مبتورةٍ.
فالمعرفةُ تهوي بنا، تؤلمنا حين تأتي مِمن حسبناهم رُكنًا آمنًا، ولكنّها تجعلنا أشخاصًا بمدارك أوسع وتوقعاتٍ أقل.
مُنذُ يومين لاحظتُ شقًّا في حائط الغرفة الرماديِّ، المُقابل للمنضدة البالية الَتي أكتبُ عليها في معظم الأوقاتِ، وأقرأ في أحيانٍ أُخرى. أزعجني وجوده بدايةً حين كان يشعرني أنّي والمكان الّذي أقطُنُهُ أصبحنا قديمان لا ننتمي لحداثةِ هذا العصر، أشعةُ الشّمس تنفذ منه كل صباح، أستأنسُ بدفئها و الآن أصبحتُ أتقبلُهُ كما لو أنَه يعود لعتاقة هذا المكانِ وثبوتِه.
نحنُ أحياء هذا الصّباح هنا لم نزلْ بكينا طويلا طوال الظلام على من بكى وعلى من قُتِلْ وكنا على ثقةٍ: ليس أقسى علينا من اليأس إلاّ الأملْ! ولكننا كلّما انطفأتْ شمعةٌ نَشتعلْ -إبراهيم نصر الله
أتعرف كم أنّ الأمل قاسٍ؟ ولكنّه كما لو كان قشة الغريق، فالحياةُ شديدة تتخللها أيام بحوافٍ حادّةٍ، ولكن كانت لتصبح أشدّ لو عاش المرءُ بلا أملٍ.لا شيء يبقى على حالهِ، فغدًا تنبت حقول القمح بجدائلها الذّهبية، غدٍا تتوقدُ شموعٌ جديدة.
محبتي الخالصة، السّيد ربيع
الثاني من حزيران.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
لم أقرأ شيئًا منذ أشهر، باتت قراءة الكلمات ثقيلةً على عيني، وأثقل على قلبي لكتابتها.. إلا أن كلماتكِ أتت كنسيمٍ بارد يلفح قلب من أذابه القيظ، ويداعب شعر مريض سرطان كمن يودّعه، وينفض الغبار عن ستائر غرفة كاتبٍ راحل منذ عامٍ لم يجفّ الحبر في محبرته بعد.. ويبردّ قلبي.
مع اشتياقي وتوقي للقاء.
تحياتُ شَمْــس☀️ للسيد ربيع.