زهرة صفراء سطعت كالشمس وأخري حمراء قانية كالدم لم يلتفت لها أحد طوال أربع وسبعون عاماً! ربما لأن حربنا لم تكن أنيقة...
"بس ايه الحرب الأنيقة دي"
توقفت عند ذلك التعليق الذي كُتب علي إحدي صور الحرب الناشبة في أوكرانيا وأغدقت عقلي التساؤلات؛ أي أناقة تلك؟
أكان يُشير صاحب التعليق إلي سُترات الفارين الشتوية الأنيقة الملونة أم إلي حقائب السفر إنسيابية التصميم؛ عالية الجودة والمطلية بالتيتانيوم والمزودة بالعجلات؟
أم انه سلط نظره علي الأحذية النظيفة والوجوه البيضاء وبعد ذلك علي الخيام المجهزة بالتدفئة لللاجئين الذين قٌدّم إليهم الطعام والمشروبات الساخنة حال وصولهم!
ربما كان ينظر إلى خطواتهم المدروسة والوقت الذي حظوا عليه لسحب أموالهم وترتيب أمورهم وكأن القذائف كانت تنتظر في أخر الصف لتمهلهم فرصة الفرار الأنيق.
ملئت منشورات صفراء متعاقبة بعد ذلك شاشة الهاتف أمامي؛ كانت صور عديدة ورسومات كثيرة لزهرة عباد الشمس الصفراء دعماً لأوكرانيا؛ وقد نسبت _تخميناً_ سبب إختيار تلك الزهرة دعماً لأوكرانيا إلي لونها المطابق للون العلم الأوكراني؛ ولكنني ومع إزدياد تداولها كرمز للدعم تسائلت عن سبب إصرار الجميع وتشبثهم بها دوناً عن جميع الأزهار...
فوجدت أنها زهرة أوكرانيا الوطنية.
بعد ثلاث أيام من بدء الحرب طفت زهرتهم الوطنية وملئت الأرجاء!
علت الرؤوس في مسيرات الإحتجاج ورسمت علي الجدران وأضحت رسالة واضحة أثرها صاخب ومدوي وماتزال شامخة لليوم الرابع والعشرين..
زهرة صفراء سطعت كالشمس وأخري حمراء قانية كالدم لم يلتفت لها أحد طوال أربع وسبعون عاماً!
أربعة وسبعون عاماً ولم يُشير أحد إلي أزهار حمراء قانية تفترش أرض متخمة بالدماء..
لم يُشير أحد إلي زهرة فلسطين الوطنية الحمراء بهية الطلعة زاهية الحضور..
ربما لأن حربنا لم تكن أنيقة؛ فقد فر الناجون بملابسهم الفضفاضة الريفية الملطخة بالدماء والغبار والفزع؛ يسيرون ويركضون بنعال أبلتها الفاجعة أو أقدام حافية ؛ يحملون فوق رؤوسهم بؤج تكدست بها بعض أغراضهم ؛وخيامهم مهترئة باردة...
لم تطفو الزهرة الحمراء بالرغم من كل ذلك!
ربما لم تستطع أن تكون صاخبة بعدما إعتادت السكون علي مر العصور كتطريز يؤكد أصالة الهوية.
إنها زهرة شقائق النعمان جماعية العيش والمنبت ؛ يعلن ظهورها عن إنقضاء فصل الشتاء وبدء فصل الربيع بحُمرة قانية كلون النعمان.
حُمرة قانية كلون الدم؛ نعم. لذلك سميت بشقائق النعمان لأنها شقيقة الدم في اللون..
إنها زهرة شقائق النعمان عديمة الرائحة؛ أظنها عديمة الرائحة لأن أحمرها يُقظ ذكريات مغلفة برائحة الديار المسلوبة والسكينة الضائعة ؛ أحلام العودة و الرغد القديم.
إنها زهرة الحروب والشهداء وزهرة الحب والجمال والشوق والإنتظار.
وإنها لي زهرة حمراء كلون الإنتماء...
19/3/2022
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات