مقالٌ أضعهُ بين أيديكم لنتناقش مسألةً مهمةً في الوسط الاجتماعي المُتعلِّم؛ فمرحبًا بآرائكم وانتقادكم.

إنَّ طلبَ كمالِ الأدبِ في الشريعة الإسلاميّة لهُ أولويّةٌ كبيرةٌ على طلبِ العلمِ وتحصيله؛ فمهما مضى من عُمرالطالب؛ عليه حملُ علمهِ بأدبٍ جمّ كي يستطيعَ أن يتعلّم ويُعلِّم ويُؤدّي حقيقة استخلافه في الأرض؛ فإنّ حَملَ العلمِ دون اتصافٍ بمحامد الأخلاق مَنقصةٌ في الحامل ومَذمَّة؛ فلا هو نافعٌ نفسَهُ ولا غيره.

حثَّ الشارعُ الحَكيم على السعي إلى تحقيق كمال الأخلاق لا كمال العِلْم وذلك لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم- " أدَّبني ربي فأحسنَ تأديبي" وقد بعثه الله لتحقيق كمال الأخلاق لا كمال العلم؛ فقال –صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ صحيحٍ صريح:- " إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق" وهي إشارة لإمكانية بلوغ غاية الأخلاق وضرورة الوصول إليها.

فقد كانوا قديمًا: "إذا أتوا الرجلَ ليَأخذوا عنهُ نظروا إلى سَمْته" فإذا وجدوه أديبًا خلوقًا صاحب سَمْت تسارَعوا في أخذهم العلمَ؛ فبذلك يُحصِّلون الأدب والعلم وفيه إشارة لفضيلة الأدب على العلم.



كُنتُ في إحدى مراحل الدراسة، وكان لمشاغبة الطلاب وقت خاص، وحِصصٌ مُعيّنة كحصّة مادة العربي مثلًا؛ كان مُدرِّس المادة مَرِحًا وسَلِسًا في أغلب الأوقات. إلّا أنهُ في بعض الأحيان كان ينزعجُ من أقلّ حركة غير سَويّة للطالب، وكان الطلبةُ يُثقلون في الأخذ والرد فوق الحد المَضبوط؛ فكانَ إذا وصلَ الحالُ إلى الأمِر المُبالَغ فيه – صاحَ بأعلى صوته: "قِيَاااام" ثم يُعقبُ سَكتةً خفيفةً ويُطلق جملتهُ:" سَكّرُوا الكُتُب".

في ذلك الوقت تحديدًا كنتُ أُدرك أنّ الكتب لا نفعَ لها إذا كان في الطالب قلّة أدب؛ فبمجرّد جُملة "سكّروا الكُتُب"؛ فإنك أنت بحاجةٍ لأدب قبل حاجتك للعلم الذي جئتَ تطلبهُ، وذلك لأنَّ التأدب حتمًا هو فوقَ العِلم بأفضليّته وأهميّته وأولويّته على دفّتين من كتاب تضمُّ ورقًا مُحبَّرًا لا نفعَ منه سُلوكيًا وأخلاقيًا بشكل حقيقي عملي.



في سالف الأزمان كان العالمُ يصِلُ آفاقَ العلم بأدبه وسَمته، وكان لا يحمل العلم حتى يتأدب على يدي أستاذهِ وشيخهِ حتى يكونَ أهلًا لهذا العلم الذي سيحمله؛ فقالوا: مَن كان شيخهُ الكتاب ضلَّ.

فهذا سُفيان الثوري- رحمه الله- يقول:" طلبت الأدب ثلاثين سنةً, وطلبت العلم عشرين سنةً". وكان يقول:" كان الرجلُ إذا أراد أن يكتب الحديث تأدَّب وتعبَّد قبل ذلك بعشرين سنةً"

وهذا مجلسُ الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله-:" كان يجتمعُ في مجلسهِ نحوُ خمسة آلافٍ - أو يزيدون، نحو خمسمائةٍ - يكتبون، والباقون يتعلمون منه حُسن الأدب والسَّمت".



في واقعنا اليوم نجدُ الطالبَ الجامعِيّ قد وصل إلى المرحلة الجامعيّة بجهده وكدّه واجتهاده بعد توفيق من الله له، وقد سعى كثيرًا حتى يصلَ إلى أولى خطواتِ تحقيق أهدافه وأحلامه، ثم يدرس من العلوم والآداب ما يحقق به هذه الرغبة والمُراد، وبمجرَّد ما تحوّل نظام التعليم التقليدي إلى الإليكتروني -بسبب جائحة طرأت على البلاد والعباد- ؛ وإذ بهِ يركضُ مُسرعًا إلى تأسيس المجموعات والصفحات لتسهيل عملية الغش الجماعي وتحصيل علامة عالية في امتحاناته.

ولا يدرك "المسكين" أن التعليم الجامعي هو تعليم اختياري لا إجباري، ولا أحدَ يُجبره أن يُكمل فيه ولا حتى ينتظر منه أيَّ تقدّم.

فالطالب الجامعي أولى بتحصيل معرفته لوحده مع وجود موَجِّه ومُقيِّم لهذه الجهود والمسارات لا أن يعمَد إلى طرق غير أخلاقية –علميًا- فضلًا عن كونها غيرأخلاقية شرعيًّا، والغاية لا تُبرر الوسيلة كما نعرف جميعًا.

لنتخيّل سويًا محصول النتاج العلمي بعد خمسينَ عام لهذه العملية التعليمية، كيف هو حالُ الطبيبِ الذي اختار الدائرة التي رمزها "أ" وهو لا يدري لمَ اختارها وعلى أي أساس وأي قانون أو نظريّة ؟!

والمُعلِّم الذي سَيُسأل عن معلومة رئيسة في تخصصه ومجال تدريسه وهو واقفٌ أمام طلابه، تراهُ يُجيب بما أجاب به زميله في الجامعة دائرة "د" ؟ سيقول له هذه المعلومة أتذكَّر أنني غَششتُها من زميلي؟!

وماذا عن مُنشِئ العُمران والجدران التي تحوي أرواحًا بشرية ؟ لربما معلومة الرمز "ب" تُسبب ويلات لا تُنسى لسنينَ عديدة!



إننا في هذه التصرُّفات نسعى إلى العلامة حتى نجعل منها غاية مُقدَّسة، ونحسبُ أنها الهدف من تحصيلنا العلمِيّ، وقد نسعى لأنْ نخترع كُل السُّبل حتى نصل إلى ما يُرضي ذواتنا رضاءً خادعًا ويَجعلُها في وهم من الخيال مآلهُ إلى الانكشاف.

لابُدَّ من صحوةٍ حقيقة نُنقذُ هذه المُجتمعات من الغياهب والمُستنقعات الأخلاقيّة، ولا نقف مكتوفي الأيدي بسبب مبدأ " مع كُل قوم غاير" ومبدأ " إن جنّ ربعك، عقلك ما يفيدك" ومبدأ " أنا والطوفانُ من بعدي".

عليكَ أن تقفَ شامخًا لأنك صاحب مبدأ يقوم أساسه على المنطق والصواب، ولا تتوانى في تصحيح المسار؛ "فحياة لا نُفكر فيها لا نستحق أن نحياها".

لأننا وإن بلغنا آفاقَ الآفاق في العلم لن نصل إلى تمامه، ولكننا نستطيع أن نصل إلى تمام الأخلاق وسيرةُ النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليست منّا ببعيد.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

فعلًا صدقت!الأخلاق والآداب أهم من العلم👌💚
ما فائدة أن تكون نابغة في العلم وأنتَ عديم الأخلاق!!
لـ قول أشرف الخلق أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعل الجنّة لمن حسّن خُلُقَهُ!!صلٌى اللّه عليهِ وسلّم 💚

أهلًا بك أ. أميرة
أوسمة هو جمعٌ لوَسم، والوسم باللغة العربية هو العلامة البارزة في الشيء، ويقابله في اللغة الإنجليزية لفظ (هاشتاغ)، فالوسم هاهُنا كأن تضعي إشارة (#) قبل الكلمة العامة التي تودين حصر الموضوع ضمنها.

لو سمحت عند نشر التدوينه بيبقى فيه كتابه ٣ اوسمه على الاقل اي الاوسمه دي مش عارفه انشر بسببها

إقرأ المزيد من تدوينات محمد نور الظريف

تدوينات ذات صلة