"كم نحتاج في زماننا هذا لعلماء موسوعيين لا تشغلهم اعبائهم الوظيفية والعلمية عن انتاج المعرفة بشتى صورها"
منذ اثنين وخمسين (52) عاما وفي يوم 13 أكتوبر 1975م توفي العالم المصري الموسوعي الجليل ا.د. أحمد زكي وهو في الحادية والثمانين (81) من عمره بعد أن ترك بصمات جلية ومؤثرة في المجتمع العلمي والأدبي المعرفي المصري والعربي.
د. أحمد زكي كيميائي مصري والذي عرف عن أحمد زكي أنه من أكبر العلماء الكيميائيين في مصر وفي الوطن العربي. وكان ثالث مصري يحصل على الدكتوراه في العلوم DSc وكان ثالث مصري يحصل عليها بعد د. علي مصطفى مشرفة ود. عبد العزيز أحمد. وهو الذي أنشأ المركز القومي للبحوث، ومؤسس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، رأس جامعة القاهرة، وأسس الجمعية الكيميائية المصرية 1938 والمجمع المصري للثقافة العلمية 1929.
د. أحمد زكي من أعلام النهضة الأدبية الحديثة في العالم العربي، وكان له أسلوب علمي جمع بين روعة الأسلوب الأدبي، وعذوبته، وبين وضوح الأسلوب العلمي ودقته. وقد ترأس تحرير مجلة الهلال كعمل جانبي بين سنتي 1946-1950 ثم أنشأ بعد تقاعده مجلة العربي الكويتية ورأس تحريرها لمدة 17 عاما. وكان د. أحمد زكي من أوائل أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وانتُخب لعضوية المجمع خلفًا له الدكتور حسن علي إبراهيم، أستاذ الجراحة العامة بكلية طب قصر العيني. كما أنه كان عضواً في مجامع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد.
وُلد ا.د. أحمد زكي محمد حسين عاكف المشهور باسم أحمد زكي ـ في 5 أبريل 1894 بمحافظة السويس والتحق بمدرسة السويس الابتدائية، وحينما انتقل والده وأسرته إلى القاهرة عام 1900 التحق بمدرسة أم عباس الابتدائية، وظل بها حتى أتم المرحلة الابتدائية عام 1907، ثم التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية، ومنها نال الشهادة الثانوية عام 1911، وكان ترتيبه الثالث عشر على القطر المصري. التحق أحمد زكي بمدرسة المعلمين العليا،
وبعد التخرج عام 1914 م عمل مدرسا بالسعيدية الثانوية، ثم رشح للسفر في بعثة إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه، لكن لم يتحقق ذلك بسبب رسوبه في الكشف الطبي. ثم عمل في ميدان التدريس، فاشتغل مدرسا بالمدرسة الإعدادية الثانوية، وهي مدرسة غير حكومية قامت في العقد الثاني من القرن العشرين بجهة الظاهر بالقاهرة والتي عمل بها مجموعة من أعلام الأدب أمثال عباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات ثم اختير ناظرا لمدرسة وادي النيل الثانوية بباب اللوق بالقاهرة.
وفي عام 1919 استقال من وظيفته خلال ثورة سعد زغلول وتوجه إلى إنجلترا على نفقته الخاصة طلبا للتخصص في الكيمياء، وهناك التحق بجامعة وتنجهام حيث زامله فيها علي مصطفى مشرفة ثم ترك الجامعة إلى جامعة ليفربول ليحصل منها علي شهادة بكالوريوس العلوم عام 1923، ثم دكتوراه الفلسفة في الكيمياء 1924، ثم انتقل إلى جامعة مانشستر لمواصلة البحث العلمي، فأمضى بها عامين، ثم التحق بجامعة لندن وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم عام 1928 وهي أرفع الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات.
وبعد عودته من إنجلترا عين أستاذا مساعدا للكيمياء العضوية في كلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم أستاذ عام 1930 ليكون أول أستاذ مصري في الكيمياء، ثم أنتخب عميداً لكلية العلوم، ثم شغل منصب مدير مصلحة الكيمياء عام 1936. وفي عام 1945 أختير مديراً لمؤسسة البحوث العلمية المصرية الجديدة التي سميت باسم مجلس فؤاد الأول للبحوث العلمية، والتي سميت فيما بعد باسم المركز القومي للبحوث حيث أسسها عام 1947 قدم فيها خدمات علمية جليلة وبنى مختبرات أصبحت من مفاخر مصر العلمية، ثم اختير وزيرا للشئون الاجتماعية عام 1952. وبعد ثورة 23 يوليو عينته الحكومة رئيساً لجامعة القاهرة فبقي في هذا المنصب حتى بلوغه سن التقاعد القانونية.
وبعد تقاعده بمدة قصيرة سافر إلى الكويت لتنفيذ مشروع مجلة ثقافية عربية رصينة هي مجلة العربي والتي ترأس تحريرها، فحققت نجاحا كبيرا وأصبحت من أوسع المجلات العربية انتشارا وأقربها إلى قلوب القراء في جميع أرجاء البلاد العربية لغزارة مادتها وتنوع موضوعاتها، وكان د. أحمد زكي يكتب في كل عدد من أعدادها مقالتين أو ثلاثة في شتى الموضوعات العلمية والسياسية والمستقبلية. وكانت مقالاته من أمتع أبواب المجلة. ولم تأت نجاحاته في مجلة العربي من فراغ، بل لأنه قد مارس الكتابة منذ سنة 1914 وهو أحد مؤسسي لجنة التأليف والترجمة والنشر ومن أبرز كتاب مجلة الرسالة منذ صدورها.
وعلى الرغم من اختصاص د. أحمد زكي في الكيمياء فقد كان عالما موسوعيا حيث أضفت ثقافته العامة واطلاعه الشامل في التاريخ والأدب واللغة على كتاباته طابعاً موسوعيا، وكانت له قدرة في تبسيط الموضوعات العلمية المعقدة لتناسب فهم غير المتخصصين والناشئة وتقديمها للقراء بأسلوب شيق، ولغة عربية سليمة. ، وترأس الجمعية الكيماوية المصرية مدة ربع قرن، ومن مؤلفاته: «مع الله في السماء»، «مع الله في الأرض»، «في سبيل موسوعة علمية» ، "بين المسموع والمقروء" و "سلطة علمية". وكان يعد لنشر كتابه الجديد (مع الله في الأرض) الذي نشرت منه عشر حلقات في مجلة العربي بعنوان «وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه» ولكنه توفي قبل إتمامه. وقد ترجم بعض العمال العالمية مثل "قصة الميكروب
في أعماق المحيطات"، "بواتق وأنابيب"، "قصة الكيمياء"، "غادة الكاميليا".
رحم الله العالم الجليل الذي مر على وفاته سبعة وأربعون عاما، ولكن مازالت وستظل اعماله العلمية والأدبية والمعرفية والإنشائية منيرة تستفيد منها جميع الأجيال. كم نحتاج في زماننا هذا الاف من هؤلاء العلماء الموسوعيين الذين لم تشغلهم اعبائهم الوظيفية والعلمية عن انتاج المعرفة بشتى صورها وتسجيل تلك المعارف في كتب ومقالات تغذي العقل، والقلب، والروح، والوجدان.
مع خالص تحياتي
ا.د. محمد لبيب سالم
أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا
وعضو اتحاد كتاب مصر
www.mohamedlabibsalem.com
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
https://www.youtube.com/watch?v=vnHLE_Jb1tg
https://www.youtube.com/watch?v=vnHLE_Jb1tg