ما كان الحب مصدر ضعف للإنسان المُحب بصدق أبداً، كيف ذلك؟

دار بيني وبين صديقتي حِوار طويل ذات يوم عن "ماهية الحُب بين البشر" ولا أظن أننا توصلنا للكثير!


فقط بِتنا نتسائل هل هو احتياج غائِر بيننا، إذن فأين سنجدهُ وإلى أين سيرتحِل بِنا وكيف سيجعلُنا نشعر وهل له بقاء أم هو في النهاية إلى زوال؟


في الحقيقة؛ إن الحُب وُضع في قلوب بني آدم جميعاً ولكِن بشكل متفاوتٍ قليلاً مِن شخص لآخر، وقد أكرمنا الله -عزوجل- بوضع هذه الصفة بداخِلنا وما تحمله في جنباتِها مِن أُلفةٍ مليئة بالرقة والأمان، وُضعت لتُزهر الرحمة والمودة بشكل مُختلف بين المُحبين فتنشأ مِن هُنا رابطة تُخرج كِلاهما مِن ضعفهما إلى قوة تحول حياتَهم إلى ربيع دائِم لا يعرف مداهُ إلا مَن حَيِيَ فيه.

الحُب ما كان يوما صفة عابرة يتصفُ بها مَن نشاء كالضعف والقوة إنما هي مشاعر تولد بفطرةٍ نقيةٍ بين قلبين تشاركا نفس المصير، وهُنا يبدأُ المُحبين في تدوال جُملة " لا يُهم إن كان في ظاهر حبي لك ضعفاً، فأنا لا رغبة لي في القوة " وقع كلماتٍ كتلك رُبما تُشعرنا بمدى سذاجة مَن قالها لكونِه يتجرد مِن كُل معانيَ الكبرياء فقط لرغبته في التحليق عالياً بمشاعِرهِ الفياضة تجاه مَن يُحب بلا قيود وصفات تأسِر روحه.

لكِن هذا لا يعني أنه اختار أن يكون ضعيفا، هو الآن في مرحلة معقدة وجديدة تماماً وإن كانت لها جوانِب جميلة إلا أنها أخطر حدث يمر في حياة الإنسان لأنه يمس جوهر قلبه الرقيق ووجوده، فيذوب وينصهر بمشاعره دون إرادة مِنه، وهُنا نبقى في حيرة كيف لحبيب أن يتحكم في مصيرنا بهذا الشكل، وهل نحن قادرين على تحمل عواقب هذا الأمر بجانب ميزاتهِ؟ أو هل بمقدورنا ترك الاختيار لعقلنا أولاً أم ننساقُ نحوه بقلبنا غير مكترثين لأي شيء؟

أظن أن القدرة على المُجازفة في حرب كهذه نتيجتُها ظاهرة قبل الخوض فيها أمر مُرهق للعقل، كون هناك طرفين يشتركان فيها فإما أن يفوزا معاً أو يخسرا سوياً، فكيف يمكن أن يكون الحب راحةً وأماناً، وعلى النقيض فيه تعب وإرهاق تُسلب فيه إرادتُنا؟

رُبما الإجابة تكمُن في قول الرافعي: فإن كل لذة الحب، وإن أروع ما في سحره، أنه لا يدعنا نحيا فيما حولنا من العالم، بل في شخص جميل ليس فيه إلا معاني أنفسنا الجميلة وحدها، ومن ثم يصلنا العشق من جمال الحبيب بجمال الكون، وينشئ لنا في هذا العمر الإنساني المحدود ساعات إلهية خالدة، تشعر المحب أن في نفسه القوة المالئة هذا الكون على سعته.

إذن علينا أن نُدرك أن الحُب أمر مُتبادل حتى لا نقع في حفرة استهلاك المشاعر مِن طرف واحد فيُحول الأمر مِن ربيع الحُب إلى خِضم الألم والحُزن، لذا علينا أن نُدرك كيف يكون الحب وكيف سنكون حينما نُحب لأنهُ مهما ادعى الجميع صدق حُبه، فالحب ليس حديثاً أو كلمة تُلقى في موقف لطيف لمجرد الامتنان تجاه شيء فقط.

الحُب الصادق هو النابِع بتلقائية وعفوية ونقاء مِن القلب تجاه مَن يُحب بلا شروط، لا رغبة له في مُقابل ولا تلقيه أيضاً، لأنه يُعلم جيداً ماهية شخصيتهُ في حياة مَن يُحب فسيكفيه أن يشعر بقرب وود محبوبهِ منه.

المحب هو مَن يفدي نفسه لمحبوبهِ، مَن يتغاضى عن كل عيب فيه لأنه يراه بعينِ قلبهِ المُحب، مَن يسعى يتلمس مواضع سعادتِه لأن فيها سعادتَهُ هو أيضاً، مَن يرعى ليُرعى.. مَن يحفظ ليُحفظ.. مَن يُلقي الكلِم الطيب ليجني ثماره.. مَن يغمر غيره بالأمان ليُغمر بِه.. مَن يتألم لِتألُم محبوبه.. مَن يحزن لِحزنهِ.. ويرقُ لرقتهِ.. ويحن لحنانِه وودهِ.. مَن ينشر البهجة في الكون لأجل بسمةٍ مِنه.. مَن يُحطم جسور العالم لأجل مسح دمعةٍ مِن عينه..

وهنا لرُبما نستنبط أنه ما كان الحُب يتسمُ بالضعف مُطلقاً لأن فيه كُل القوة بمشاركة الطرفين معاً، بعطائِهما، وبذلهما، الفكرة فقط هي في اختيار مَن نُحب لأنه في النهاية سيترك الحب أثره، وأنت ستُقدس هذا الأثر حتى لو كان ندبة تلزم روحك حتى الموت.

فرحلةُ الحب تستحق العناء والمحاولة لا يُهم إلى أين ستأخذنا يكفينا مُجاورة مَن نُحب، ولا يُهم كيف سيجدُنا الحب فهو كمثلهِ مِن الأرزاق تأتينا في أحلك الليالي كضياء يُنير حياتنا للأبد، الحُب يَهبُنا أجنحة وإن أردنا الحفاظ عليها سنبذل قصارى جهدنا لنفعل.

واعلم عزيزي القارئ إنما الحب لمَن يكترث لقلبك، لمَن يعانق سعادتك قبل أن تشعر بها، لمَن يظلّ حولك، يمدّك بالأمان، تشعر معه باستقرار لم يخطر على بالك، الحبّ لمَن يضحي من أجلك، وتُضحي لأجله، والأمر ساري على كِلا الطرفين، فما كان الحبّ يوماً بالأولوية إنَّما بالبقاء.


لكِن في النهاية مُخيفٌ ما بوسع الحب أن يفعله فتارة بإمكانه تحويل إنسانٍ إلى فَراشة تُعانق السماء بكل لهفة وتارة يُحول أخر لجُثة هامدة تغرق في سابِع أرض، ولرُبما سنبقى نبحث عن خفايا هذا الشعور لمدىً طويل لا نِهاية له ولا أعلم إن كُنا سنصل أم لا!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ما اجملها يا الله
فإن كل لذة الحب، وإن أروع ما في سحره، أنه لا يدعنا نحيا فيما حولنا من العالم، بل في شخص جميل ليس فيه إلا معاني أنفسنا الجميلة وحدها،

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة