من وحل الواقع يطلّ علينا الجوكر يعزف على قيثارة الأنا في لوحات متعددة الأشكال متلاعبا بميزان العدالة.

يعلو صياح ابنتي في غرفة المعيشة كصفارة إنذار، وأوراق اللعب في يديها تتراقص صعودا وهبوطا.. " معي الجوكر.. معي الجوكر " يظن السامع لوهلة أنھا ربحت اليانصيب، ربما هي فطرة المرء حين يتقن تعلُّم لعبة حديثة أو تغيير نمط حياة جديد؛ فينتشي فرحًا وغبطة، ويندفع بحماس. " معي الجوكر " محظوظ هذا الجوكر من بين الأوراق! كيف لا وقد امتاز بصلاحيات تميزه عن البقيّة.. رابحٌ في كل مَقام، يتّخذ أشكالا وأدوارا عديدة في عالمنا. ولا أُخفيكم لا تسرني رؤيته البتّة. بطل مفرداتنا في هذا المقال يتخطّى القواعد والمنطقيّة ليُشبع ينبوع رغباته مُختالا ساخرا من عقول الإنسانيّة، فورقته الرابحة بمثابة جواز يرتحلُ بوساطته بين الخلق مُمتطِياً الحرية المطلقة في تلبية حاجاته اللامتناهية.نراه في شخوص كُثُر.. كطالب يتحرّر من أنظمة مدرسته، أو كسائق أرعن يتخطّى الاشارة الحمراء بعنجهية مُخلّفا وراءه خطوطا في الطرقات غير مكترثٍ بسلامة الآخرين. ونظيره من وقف ذاك اليوم ساخطا معترضا أن يصطف مع بقية الأفراد ليأخذ حاجته من الخبز، بل تطلّب الأمر أن يخاطبه ثلاثة من عاملي المخبز علّه يتفهٰم الحاجة المُلِحّة للالتزام وسط هذا الزحام، تناول ربطة الخبز وغادر، حتى في أحلك الظروف تتبجح الجواكر. وماذا عن موظف يتباهي بساعات الراحة التي يلتمسُها في ساعات العمل، وفي الأوان ذاته ينتظر علاوة يحارب الغير كي ينالها.. مُدركا لحقوقه متعمدا إهمال واجباته.. فقط لأنه من جواكر هذا المجتمع البالي. وأمٍ ليس لها من التنشئة سوى يدٍ تُربِّتُ على هفوات أبنائها، وتستميتُ في الدفاع عنها، فأضحت مصنعا للمعاقين لا الرجال، والعتب كلّه على المثل القائل: القرد بعين أمه جوكر.. أقصد غزال. ولكن أبرزهم على الإطلاق صاحب الأنا.. ينتزع لنفسه النصيب الأكبر من احترام الناس وتقديرهم.. هاضما حظّهم من ذلك الاحترام، لأنه لا يملك من القيم سوى التنظير ومعاينة التطبيق. لا حصر للأمثلة، لكن أعتقد أننا متفقون على أننا نعيش في مجتمع جواكرٍ مولعٍ في انتهاك الأنظمة والقوانين لمجرد حب التميّز والظهور وربما التباهي. ولنعلم أن الحل هو حرق " كرت الجوكر" وإلّا سيختلّ الميزان وترجح كفّة الجور.. ورحم الله من قال: أفضل أنواع المعرفة.. معرفة حدودك.

سهى أبو الرب 🖋️سقيا الظمأ


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سهى أبو الرب (سُقيا الظمأ)

تدوينات ذات صلة