أحدثكم بأسلوب يمزج بين الواقع والخيال، عن أمل .. الصوت الذي يقف في وجه الظلم بكل شجاعة، ليأخذنا في رحلة شيقة من الظلم إلى الحرّية.

بيت جدّتي جميلٌ جدًّا، جُدران الرّواق ناصعةٌ كأنّها أحجارُ المَرمَر، هنالك الياسمين الفوّاح ، والنّباتات المُلفتة، فيها بركة مُزدانةٌبالتَّخاريم القديمة، تنثُر المياه من فتحاتها الرُّخاميّة، فتسمعُ غِناء مياهٍ انسابت كأنّها نجومٌ متدليةٌ إلى البركة. توجد نوافذٌ كبيرةٌ على الجدران الأربع، وثلاث غرفٍ متقابلةٍ ومطبخٌ صغير، تضحك فيه الملاعقُ والأواني مع ضحكاتِ جدَّتي، سقفُ غرفة جدّتي مصنوع من جذوع الأشجار الحنونة، وغرفة جدّي متحفٌ صغير، فيها لوحاتٌ يحبّها جدّي وتحبّه، والتّلفازُ صديقٌ قديم.


كان هذا في السّابق، ماذا حدث؟! السقف يبكي مطرًا على جدتي الوحيدة، أين الزُّوار؟ مضت عشر سنواتٍ تحوّلت فيهاضحكاتُ الأواني والملاعق إلى أنين، جدّتي حزينة وجدّي حزين، وذلك الدّرج الواصلُ إلى العُليّةِ يشكو قلّة زائريه، أين أنتم؟الجوري يرجو أن يُسقى بالضحكات وجمعات العائلة.. والحُب، أين أخذكم منّا الزمان؟ وأين أشجار الرّمان؟ الّتي كانت في المدخل.


هي حفيدةٌ صغيرة تُدعى أمل، اعتادت زيارة بيت جدّتها كلَّ يومٍ بعد المدرسة، ولكن لجرمٍ غير مشهود.. أو حتى غير موجود! باتت حبيسةً لقفصٍ بعيد، أنفاسها أصبحت ثقيلة، لم تطلُب سوا زيارة بيتِ جَدّتها الحزينة، عجيبٌ جدًّا! في جمهورية"ظلمستان" يجرّمون الحرية! ولا يجرّمون قتل إنسان لإنسان!! كم أنّ هذا غريب، قررت أمل أن تستمرَّ بالكتابة، والكتابة هي السبيلُ الأمثلُ للكلام، ولربما تَصنعُ مفتاحًا سحريًّا تفتحُ به باب القفص، وفجأة! ظهرت أحكامٌ جديدة تمنع الكتابة والكلام، تم تجريمُ الشّعر، عجبًا ! ما هذه البلاد الّتي تسجننا بتهمة الكتابة! يالها من كآبة! لكنّ اسمها كان أمل، ولم تفقد الأمل، صنعت بحبها لجدّتها وجدّها أقلامًا جديدة، وبدمها كتبت قصيدة، كانت تضحيةً فريدة، ولكنّ شوقها كان أكبر، فكلما أحرقوا أوراقها،وأطفؤوا شمعها، صنعت أوراقًا جديدة، وأشعلت شموعًا جديدة.كانت تسمع صوت جدتها في قلبها رغم البُعد، وتراها في حجر عينها ولو لم تكن أمامها.


رأى العديد من الحبيسين في ذلك القفص شجاعة أمل و توقها للحريّة و قرّروا مكاتفتها في صُنع المفتاح، و لربما في المساعدة إفادة، وفجأة! أصبح عقاب من يساعدها الإبادة، غريب جدًا؟ لماذا يحللون الرّشوات والظّلم والسرقات؟ ويحرّمون الحريات؟ ما أبشع الحياة في جمهورية "ظلمستان"! أتعب كُلّها الحياة ؟!!.


تنحى بعضُ الجبناء عن مساعدة أمل وبقي القليل من الشّجعان ، مدادُ أمل هو حبها لجدتها ومداد آخرٍ هو شوقه لولده ومداد آخر هو شوقه لياسمين الحي .. ومدادهم جميعًا هو : توقهم للحريّة.


وقفت أمل و من معها ضد الحكم الظالم الذي يُجرِّمُ الحرية، وصنعوا مفتاحًا عاجيًّا كبيرًا بالحبّ، وفتحت أمل باب القفص،ركضت باسمة وبيدها المفتاح العاجيّ إلى البيت.. بيت جدّتها، وجدّتها تنتظرها بشوق عظيم عند البوابة، حينما قاربت من الحصول على العناق الكبير، بدا جندي من بعيد، يتراءى بين الظلّ والنّور الخافت، وهنا خاف أبناء الشعب فعادوا إلى القفص، بقيت أمل وحيدة بيدها المفتاح، وإذ بذلك الجندي يطلقُ رصاصة غادرة تخترق قلبها النّقي، قالت أمل لأبناء شعبها الّذين خانوها وهي تلفظ حشرجاتها الأخيرة :


ما عاد يُنصفُنا صوتٌ ولا قَلَمُ

وذوو الجهالةِ قد لاحت بهم قمَمُ

فالعدلُ كالخلقِ الكَريم نبيده

كم طاهر مِن جورنا قد يُظلمُ

ما أكثر الأقوال إن قلنا بلا ما

أجبن الأفعال لو بانَ الدّمُ

أضحى الغنيُّ غنيُّ المالِ والنَّسبِ

قد كان أغنى النّاس من لهُ شيمُ


ماتت أمل، و لكن كلماتها مازالت حيّة في قلوب الشّعب، و دموع جدّتها، استمدوا منها الشجاعة، و وقفوا يدًا بيد في وجه الجندي بالشجاعة والحرية والحبّ، حاول أن يُرديهم برصاصات الظّلم و العدوان، فباءت محاولاته بالفشل لأنهم كانوا يدًا واحدة. هزموا ذلك الجندي وخرجوا من القفص، سقوا ياسمين الحيّ والجوريّ بالحريّة، وعانقوا أحبّاءهم. ربّما لم تحصل أمل على حُريّتها و هي حيّة إلّا لبضع ثوانٍ، ولكنها حصلت على شيءٍ أكبر، وهو الحرّية السّرمدية للجميع.


تغير اسم الجمهوريّة من "ظلمستان" إلى "أملستان" وألغيت التجريمات عن الحرية و الكتابة و الكلام، و أصبحوا يجرّمون الظّلم والعدوان، ويحكمون بالعدل.


و هنالك العديد من جمهوريات "ظلمستان" في زمننا هذا، فهل سننتظر أمل حتى تحوّلها إلى "أملستان"؟، لمَ لا نصبح جميعًا أملًا لأوطاننا؟ نموت لتحيا الحرّية.


زُقاق-سنا

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع ..بل أكثر من رائع يا أجمل سنا♥️🌺

إقرأ المزيد من تدوينات زُقاق-سنا

تدوينات ذات صلة