يتسلّل النعاس إلى جفني وصدى صوت يأتي من الزمن القديم يتردد في ذهني:أسْرجِ الخيل ما عاد المُقامُ يُغريني.

هانذا في جُنح ليل بهيم، أتأهّب لألقي رحال النهار عن كاهلي، وها أنا على وشك أن أعانق وسادتي.. ركن أسراري وملاذي، فالعناق كما قيل لنا نماءٌ للعمر والعافية.وكالعادة تبدأ مناوراتٌ بيني وبينها، تَرقُبُني لأقاسمها جيش أفكاري الذي يُحاصرني، ويغلي في دماغي، حتى يُغشّيَ الدمعُ عينيّ، ويُطبق جفنيّ، فأسلمها نفسي. لكني الليلة لن أبكر في نومي.. ربما سأشاهد فلمًا، أقلّبُ محطات التلفاز، المشاهد ذاتُها تتكرر.. موجز الأخبار للمرة العاشرة.. مشهد رومانسي مُبكٍ ينتهي بموت البطل.. مُغنٍّ يبيعُ شبيبتنا أحلاما وآمالا زائفة، وأناشيد أخرى تندِبُ حظّ العروبة، تبادر لذهني أنّ العبء الأكبر أن تنحو بنفسك عن تلك النسخ المكرورة في هذا العالم.. أخرستُ التلفاز إذ لم تكن فكرة سليمة.علّني أجد في الكتابة ما يُلملم أشلاء روحي المتناثرة، أمسك القلم لأعلن الرّهان عتيّا بينه وبين مفرداتي، والقلب يترقرق بين الحبر والوَرق، يسيل حبّا وألما وتارة يفيض غضبا.. وها هي الكلمات لا تهدأ حتى تصطدم بجدار الصمت ويجفّ القلم.ماذا عن نافذتي؟ ما ضرّ لو ألقيت بناظري خارج إطارها؟! توجهتُ نحوها والوسادة ترمقني بنظرات حادة معاتبة! فيُخيَّلُ إليّ بنوافذ المنازل تتوارى عنّي ساخرة بكلّ من يتلصّص بعيونه نحوها، وجدت منها ما يهتزّ إثر الضحكات، ومنها ما يستر آلاما تنزف على حوافّها، وأخرى تشعُّ أمانا وهدوءً لا يُقرَأ.. و.. و..حتى قصص النوافذ زادتني رهقا.. فعمدتُ إلى إغلاق نافذتي لئلا تبادل أحدَهم حكاياتي، فما اعتدتُ الوثوق بأحد..مازالت وسادتي - محطّ خلاصي - تنتظرني.. وانا في ذهاب وإياب، وطرطقات غريبة تتناهى لمسمعي من الشقق المجاورة.. عجيب هو شبح الوجوم والسكون،قادرٌ على إحياء أصوات صمّاء.هل انتهيت يا عزيزتي؟ (تتثنّى وسادتي في تهكُّم)فأتطلّعُ إليها بعينين ملؤهُما التوسُّل.. سئمتُ أن أبيعها هواجسي، مع علمي أنها في هزيع الليل تخلصني من وساوسي كي لا تحولَ كوابيسَ تقضُّ مضجعي، ولا مفرّ من ضمّ وسادتي.. لأطرح فؤاديَ المكلومَ في أحضانها، كطفل يئنّ بعيدا عن أمه، أو سجين يتحرّر من قبضة سجّانه.تُربِّتُ على رأسي في حُنُوٍّ قائلة: استرخي ما هي إلا ساعات يسيرة والصبح ينبلجُ، ووجه الحق يسطع من جديد، وصفاء يتجدد مع عودة النور إلى البسيطة..يتسلّل النعاس إلى جفني وصدى صوت يأتي من الزمن القديم يتردد في ذهني:أسْرجِ الخيل ما عاد المُقامُ يُغريني.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سهى أبو الرب (سُقيا الظمأ)

تدوينات ذات صلة