تسلط الأشخاص على بعضهم على مواقع التواصل الإجتماعي، والوقوف عند كل شاردة وواردة. اختفى التسامح واللين في التعامل.
جرت العادة أن يكون الإنسان بعيداً عن الكمال، واقتضت الفطرة البشرية أن يصيب الإنسان ويخطئ، يعلم ويجهل، يحسن ويسئ، وهو بهذا الحال على الدوام. لم يكن هناك من لا يخطئ سوى الأنبياء الذين خُتموا بمحمد بن عبد الله ﷺ.
لما أدرك الإنسان أنه غير معصوم وأن الخطأ منه واقعٌ لا محال، كان لزاماً عليه أن يتعلم من أخطائه وأن يعطي لنفسه الفرصة للتدارك مراراً وتكراراً. منذ الطفولة تجد الشخص يخطئ فيعلمه والديه الصواب، ثم يخطئ فيتم توجيهه وهكذا في مختلف مراحل حياته.
الأمر المختلف هو طريقة تعامل الإنسان مع كونه يخطئ ويصيب وهي محور هذا الحديث
في الواقع كان الإنسان يتقبل كونه يخطئ ويتقبل حقيقة أن الآخرين أصحاب خطأ، فيسامح ويُسامَح. يخطئ فيتعلم ويتخطى الأمور غالباً بدون خلافات كبيرة وبدون مشاكل وصراعات عقيمة.
قل ما تجد شخصين لا يعرفان بعضهما وحدث بينهما سوء تفاهم في مكان عام أو في طريق فيطول الخلاف بينهما. غالباً ما تمضي بسرعة ويُقبل الاعتذار وقبوله يقتضي أن الشخص قَبل أن الآخر أخطأ ولا بأس. ولا يتحدث كثيراً عن الأمر أو يتم شحن الأطراف وحمل الخلاف على غير محمله، ولا يتحدث فيه من يعرف ومن لا يعرف.
عكس ذلك تماماً هو الواقع مع السوشال ميديا هذه الأيام.هذا الفضاء الإلكتروني عالم اللاخطئ والذي يشبه السلاح
فإن الخطأ الأول فيه هو الأخير، يصبك في مقتل.
" يا ويلك لو قلت كلمة أو رأي وما عجب واحد من العالم الكبير الموجود والمستحيل أن تتوافق معهم جميعاً"
أصبح التواجد في هذا العالم يرهق ذهن الإنسان، مطلوب منه أن يكون متكاملاً مثالياً لا يخطئ، بل إن الأدهى والأمر أنت
مطالب أن تكون متوافقاً مع جميع الأذواق، الأراء المختلفة التي جرت العادة أن يستحيل جمعها في شخص واحد، وكيف يمكن أن تجتمع الأضداد.
في هذا العالم اذا أخطأت خطأً بسيطاً في حق شخص أو خالفت أحدهم الرأي سيتم جلدك بألسنة من يعلم ومن لا يعلم،
وتُتهم ويخوضون في نيتك، وفي قلبك الذي لا يعلم ما به سواك. ستحمل كلمتك التي خرجت بدون قصد أو سوء نية على غير محملها ولن يلتمسوا لك عذراً. وبدلاً من أن يكون خطأك في حق شخص واحد سيكون فيه حقه وحق جمهوره ومتابعيه على السوشال ميديا، بالضرورة سيعلق كل من عندهم ويبدون رأيهم في تصرفك أو كلمتك أو رأيك ويحللون نيتك ويطلقون عليك الأحكام وهم لا يعلمون شيئًا.
هناك فرق كبير، أصبح الإنسان لا يحتمل خطأ أخيه الإنسان، بل يتخذه مادة للسخرية والتنمر وإطلاق الأحكام على الناس، وايذائهم لمجرد مخالفتهم الرأي معه، أو وقوع أحدهم في زلة لسان. تذكر عندما كان يحدث مثل هذا الموقف بينك وبين شخص في الطريق أو جامعة أو سوق؟ سينتهي حتماً في غضون دقيقتين وثلاث كلمات! أما الحديث عن الموقف إن ذكره أحدكم سيكون عابراً في مجلس لا تجتمعان فيه، ولن تسمع أحكاماً قاسية ولا تجريحاً ولا سواه. لن تسمع رأي شخص من بلد آخر يجلس خلف شاشة هاتفه ويتهمك وربما يشتمك أو ينعتك بأسواء الصفات.
بالطبع لا أتحدث هنا عن الأمور الكبرى التي يجب أن تكون قضية رأي عام مثل قضية الشذوذ أو قضايا الاحتيال على سبيل الذكر لا الحصر. لكني أقصد صغائر الأمور التي لا يجب أن تأخذ صيتاً واسعاً.
في كثير من الأحيان لم يعد الإنسان يقبل مخالفة أخيه الإنسان له في الرأي أو تجاوز الأخطاء العفوية على السوشال ميديا. قولك في تعليق أحدهم بكلمة ربما ليست جيدة أو رأي مخالف أشبه بأن تصطدم بكتف شخص بدون قصد في الطريق.
أما الاصطدام قد ينتهي بكلمة آسف، لا بأس.
وأما كلمة قلتها على السوشال ميديا ستصبح قضية رأي عام وقد يتم مشاركاتها بشكل واسع واقتباسات ونظريات وربما تجد نفسك بعد يومين ماسوني حنكليشي شنكليشي فركوشي كما قال فيصل القاسم في الاتجاه المعاكس ذات مرة.
في كل مرة أجد الأشخاص فى الفضاء الإلكتروني يأخذون زلات الآخرين محتوى للإساءة لهم وربما للتفاخر بأنفسهم _ مع أنهم أيضاً يخطئون _ أتذكر ما كنا نسمعه ونحن صغار من مقولة _ العرب دمهم حامي على بعض _ وهذا ما لا يجب أن يكون.
وسائل التواصل الاجتماعي هي واقع افتراضي، لكن لا يجب أن يكون الافتراض دائماً أن نكون في غاية المثالية، فمهما بلغ الإنسان وسعى، لن يخرج عن طبيعته الإنسانية التي تقتضي أنه يخطئ تارة ويصيب في أخرى.
سجية الإنسان المؤمن السوي أن يكون هيناً ليناً بين يدي إخوانه يعيش بمبدأ أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين.يتقبل أن الآخرين قد يخطئون بقصد أو بدون قصد، وقد يختلفون في الرأي وربما ينسون في أحيان كثيرة، فلا بأس ولنعذر الناس بما لديهم. ودعك واطلاق الأحكام على الآخرين والخوض في نواياهم التي لن تبلغها مهما بلغت.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات