أين تولد التقنيات وتنمو وتترعرع خلال مسارات رحلتها ؟


تتوزع القطاعات التي تعمل على تطوير التقنيات بين القطاع الحكومي والخاص وغير الربحي ويركز كل واحد منهم في الغالب على مرحلة من المراحل التي تمر بها التقنية..فالقطاع الحكومي يقوم بالتطوير أو تمويل الأبحاث في الجامعات ومراكز الأبحاث التي تتولد عنها التقنيات الناشئة والتي يقودها الفضول العلمي في الغالب لإثبات إمكانية تنفيذ فكرة معينة وإن طال الزمان لتحقيقها، بينما يدخل القطاع الخاص في المرحلة التي تليها باستكشاف تطبيقات التقنية الجديدة ذات الجدوى الاقتصادية المحتملة التي تمكنها من زعزعة التقنيات القائمة فيعمل على تسريع عجلة التطوير وزيادة كفاءة التقنية وتخفيض تكلفتها وتسهيل وصولها كمنتجات تجارية جديدة لتحقيق مكاسب تساعد القطاع على النمو والتطوير التدريجي للمنتجات وتوليد مزيدًا من الابتكارات العملية .. بينما يعمل القطاع غير الربحي باستقلالية وبتمويل متنوع من عدة قطاعات بينها الحكومي والخاص لتخفيض نسب المخاطرة وتوازن المصالح مع الحفاظ على استمرارية تطوير تطبيقات يمكن أن يستفيد منها القطاع الحكومي والخاص في نفس الوقت.


الموضوع ليس بهذه البساطة أو الحدود الواضحة التي بينها في الغالب تداخل يصعب تفاديه .. فقد يعمل القطاع الخاص على تطوير تقنيات بتمويل حكومي يقلل من مخاطره ويعظم الاستفادة من أساليبه المرنة في تكوين الفرق والحرص على الكفاءة والسرعة للوصول إلى المستهدف مثلما ما حصل مع سبيس إكس التي غيرت قواعد لعبة النقل الفضائي في زيادة السرعة وتقليص التكلفة بتمويل حكومي.

إن التقنيات صعبة المراس..فقد تولد في رحم القطاع الحكومي السخية لتودعه مرتمية بين ذراعي القطاع الخاص الفتية ليفتح لها فرصًا غير عادية .. وقد تهرب منه لتستقر في كنف منظمة غير ربحية تضمن لها النمو والاستقرار بحرية..


كما يمكن أن يعمل القطاع الحكومي والخاص في نفس الوقت على تطوير تقنية ناشئة لأسباب متعددة ليس لها علاقة بالتقنية، فعلى سبيل المثال سمعنا قبل أشهر عن نجاح تجربة توليد طاقة الاندماج النووي باستخدام الحبس الليزري للبلازما في معمل أبحاث الإشعال الوطني الواقع على أطراف سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، وفي نفس الوقت بدأ منذ سنوات طويلة مشروع ايتر الذي تشترك فيه ستة دول كبرى لتحقيق نفس الهدف باستخدام أسلوب الحبس الكهرومغناطيسي للبلازما..بعض من قضوا زهرة شبابهم في ذلك المشروع من أساتذة وطلبة جامعيين نفذ صبرهم في انتظار تقدمه وتحقيقه لهدفه ففضلوا اتخاذ طريق مغاير بالانسحاب من المشروع الدولي وتأسيس شركة سبارك الناشئة لتعمل تحت مظلة جامعة ام آي تي لتوليد طاقة الاندماج النووي باستخدام المجال الكهرومغناطيسي بمقاس أصغر سعيًا لتتجيرها وتوصيلها لشبكات توليد الكهرباء العامة في العالم في أسرع وقت ممكن.


أما في مجال الذكاء الاصطناعي وبعد أن كثر اللغط حوله والتخويف من آثاره إذا أطلق عنانه، قام مجموعة من المستثمرين بتأسيس منظمة أوبن آي آي الغير الربحية لتطوير الذكاء الاصطناعي فاجتذبت أفضل المطورين إليها من أفضل الشركات بسبب استقلاليتها .. والتي أصبحت تقدم للعامة عبر الأعوام الماضية نتائج ماتوصلت إليه من منتجات تجريبية تظهر التقدم التدريجي الحاصل في التقنية . ثم أسست ذراعًا محدود الربحية لبيع تلك المنتجات ومنها نظام تشات جي بي تي .. وأتاحت للشركات الدفع أو ضخ الاستثمارات والاستفادة من تلك المنتجات دون أن تكون حكرًا لقطاع دون غيره .. وفي هذا تعقيد وتداخل غير مسبوق..


إن التقنيات صعبة المراس..فقد تولد في رحم القطاع الحكومي السخية لتودعه مرتمية بين ذراعي القطاع الخاص الفتية ليفتح لها فرصًا غير عادية .. وقد تهرب منه لتستقر في كنف منظمة غير ربحية تضمن لها النمو والاستقرار بحرية وهذه فقط إحدى مسارات رحلة التقنيات بين القطاعات ..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رأفت محمود زيني

تدوينات ذات صلة