خاطرة تحوي ما بقلبي على ألسنة شخصياتي الخيالية ..كلمات يود المرء الصياح بها فيسخرها الكاتب كلمات تنزف على الورق.

عزيزي ، أنتَ الآن فتحتَ مدوّنتّي ،تقرأُ خاطرتي ، إذن أستأذِنُكَ يا عزيزي أنّ تدخُلَ إلى عالمي الكبير ، أن ترى معي كيفَ يكونُ قلبيِ الصغير الذي يطوي العالمَ بداخِله و كيفَ أنظرُ إليه و كيفَ أراهُ و أرى نفسي فيه ، أتمنى أن لا تملّ منّي و لا تُسرع لتخرُجَ من هذه الصفحة أو تهرع بالضغطِ على زرّ العودة .

ستبكي قليلًا و تضحك عديدًا ، استمعْ فقط لي بقلبِكَ ...

فلنبدأ..

دائمًا ما يتداعى لمسامعنا ، "و من الحبّ ما قتل"، تعددت التفاسير و تناقلتْ الأساطير الأقاويل في أصلِ الرواية و متى قيلت ، و لكن أعتقدُّ أنّ معناها من منظوري الذي قد يكونُ ضيقًا ، هو أنّ الحبّ ذاتُه سُكيّنٌ يطعنُ القلب !

متى ما أحببتَ فاعلمّ أن سكينه قد نالتْ منكَ و غرستْ في نياطِ قلبك و لكنّك لا تشعرُ بآلمها ..

بدأَ جلُّ الأمرِ كلّه في دقائقَ أذكرُها من سنتينِ تقريبًا ، تلكَ الدقائق التي سرقتني من الدنيا حينَ قابلتُه ، ظننتُ و أنّ القدرَ كانَ يُرتّبُ هذا اللقاءْ ، شعرتُ بالحنينِ على حينِ غفلةٍ بعدما شعرتُ و أنّ قلبي لا يلين ..

حاولتُ اِتقاءَ قلبّي و شروره و أنّ أتجنّب تلكَ الدقائق من حياتّي أو أمحوها كما محوتُ الكثير ، لكنّ لسببٍّ أجهله كانت تتداعى دائمًا أمامي ، دائمًا ما يُلّح عليّا عقلي بإعادة تشغيلِ تلك اللقطة من حياتي ، لا أعلم كم شاهدتُها في مُخيلتي ، و أعدتُها آلافَ المراتِ ..

كانَ قلبي قد شتّ عن طريقِه الذي هذبتُه عليه ، شردَ عن ما أدبتُه كطفلٍ يودُّ لو يلعبَ بالطينِ بدون علمِ والدته ..

لا أعلَمُ إن كان يُبادلنّي نفسَ الشعورِ حقًا ، لا أدري إن كانت دقائقي في شريطِ حياتِه مهمةٌ أم لا ، أيُحاوِلُ استعادتها أيضًا ؟

كان يكفيني أنّي أحببتُه .. أو طعنَ سكينُّه قلبي ..

في بادئ الأمرُ كنتُ أجهلُ ما يُكنّ لي في قلبّه ، و كان شعوريِ بدفء ذكراهُ يكفيني ، و لكنّي عاهدتُ نفسي لا اقتراب من منطقة قلبي ، و محظورٌ الوصولُ إليه .. و لكنّه عبرَ كلّ الحدودِ إليه ..

تساءلتُ كيفَ يمكنني العلاج ؟

و أين يكونُ الدواء ..

حتّى في يومٍ على غيرِ صُدفةٍ تقابلنا ، حاولتُ أنّ أستدعي جميعَ قوايا العقلية حتى أبدو بالاتزانِ الكامل حتى لا يرى بي ما بقلبي ..

إلا أنَّه على حينٍ غفلةٍ اقتربَ قليلًا منّي ثمّ أخبرنّي :

"قلبُك ككتابٍ مفتوحٍ ، قرأتُه لآخر سطرٍ منه " !

حدّقتُ بهِ محمرةً خجلة ..و بعيني ألفُ سؤال ..!

كيف ؟

أنا ..

سُرعانَ ما أسدلَ الستارَ عن دهشتي ، و كسر جليد ارتباكي و ارتعاشُ يداي ..و أخبرني ، ماذا تظنينَ لو أن القلوبَ تُقرأ ؟

ماذا لو أنّ القلوبَ كتبٌ يمكنُ للجميعِ قراءتها ؟

سالتْ دموعي على خدّي و لم أدرِ كيفَ أخبرتُه بكلّ شيء ..

فنظرتُ إليهِ بكلّ توددٍّ و كأنّي غريقٌ أستغيث ، أتمنى لو أنّ قلبي يُقرأ و أن مشاعرّي كتبٌ تترجمُ للغةٍ يفهمها الجميع .. كم تمنيتُ أن أُريَ العالمَ كيفَ ينبضُ قلبي بحب الجميع ، حتى تلكَ القطة في الشارعِ لا أستطيعُ رؤيتها وحيدةً في ليلة بردٍ قارص، كم تمنّيتُ أن أري العالمَ كمْ يحملُ قلبي من الحب ما إن وّزع على أهل الأرض لكفاهم ...و كم تمنّيت .. و كم تمنيتُ أيضًا لو يقرؤا جروحي و آلامي ..لكم تمنيتُ أن يقرأَ العالمُ كيفَ أرى أحزانّي ، و كيفَ أشعُرُ أنا ..!

أن يقرؤا كيفَ يمكنُ للمرءِ أن ينامَ و هو يكتبُ سطور خيبةِ أملهِ في قلبِه ..

ماذا لو أن جراحَ القلبِ تُرى تنزِف ؟

كيفَ لو رأيتَ ما بقلبّي دماءٌ حيّة ليست كلماتٍ مستعارة؟

لكمّ و ددتُ أن أرى مكانتي أيضًا في قلوبِ من أحبُّهم ..

لطالما وددتُ قراءة فصلي في روايتهم بعيونهم..

كم أردتُ صدقًا و الفضولُ يملأ قلبي أن أقرأ قلوبهم بنهمٍ .. أن أرىَ هل أحبوني بنفسِ ذاتِ القدر الذي تملكوا بهِ قلبي ؟

هلْ أنا في ذاكَ الحيّزِ من قلوبهم الذي ظننته؟

هلْ يُضمرون الخيرَ أو الشرّ !

ماذا لو أنّ خبايا النفوسِ تُرى ؟

ماذا لو يعرفَ كلُّ ذي قدرٍ قدره بدون تجملٍّ و تكلّف ..

حتى هدأتُ في لحظة صمتٍ و تداركتُ الموقفَ ، و كيفَ لي بكلّ تلكَ الجرأةِ مع هذا الغريب الذي ربطتني بهِ دقائقُ معدودة ، ثمَ نظرتُ إليهِ و أنا ألتمسُ الخجلَ بين طيّاتِ كلماتِ مُعتذرة .

ثمَّ أجهشَ بالبُكاءِ و قد رأيتُه من قبلُ كاملَ الاتزان..!

و أردفَ يُخبرُني :"خبايا النفوسِ مُرعبةٌ للحدِّ الذي جعلها اللهُ رحمةً كي لا نراها " ..

صدقيني ، خبايا النفوسِ مرعبةٌ للحدّ الذي لو كُشفت عنه الحجابُ لطارتْ العقول، و استشاطت..

أنا رأيتُ الكثيرَ و قرأتُ قلوبَ كلَّ من رأيت ، كنتْ أتمنى دائمًا رؤية ما تُخفيهِ القلوبُ خلفَ العظامِ و ما يجوبُ الصدور خلفَ هذهِ القشور ....

حتّى نمتُ ذاتَ ليلةٍ في فراشي ، و بدأت تتوالى عليّا الكوابيس.. نعم كانتْ تُتلى عليّا كلّ ليلة قلوبُ من رأيت .. كوابيسًا تُفزعنّي ، أرى فيها ما لم و لن تريه قط ...

لا تكثري تمنّي مثلَ تلك الأمانّي ، فالحجبُ في مثلها رحمة ..

و لكنّ أمسَ لم أرى كابوسًا بل كانَ حُلمًا جميلًا ، سهولًا خضراءَ و ورودًا تُزهرُ في كلّ مكانِ ، كانّ شيئًا لم أرهُ منذُ أن بدأت تلكَ الكوابيسْ المفزعة ، و رأيتُ نفسي على عرشِ مملكةِ هذا القلب .. رأيتُ نفسي هُناكَ سعيدًا و كأنّي شريدٌ وجدّ مأواه .. كان هذا ... كان هذا قلبُكِ و أنا فيهِ ..!

لم أشعرْ بدفءِ تلكَ المشاعرِ من قبلُ .. فأخبرتُكِ أنّي قرأتُ قلبكِ .... و أنا أُحبُّك كما أحببتني..

حدّقتُ بِهِ كما المجنون الذي يهذي!

ما هذا الهُراء الذي تتفوهُ بِه ؟

أخبرني بكلِّ استعجابٍ : ألا تصدقينَ أنّي رأيتُ مشاعركِ و قرأتُ قلبَك ؟

فرددتُ بنبرةٍ شاردة :" لا ، أعلمُّ أنّ مشاعري صادقةً في حبّك للحدّ الذي شعرتّ ، ولكن كيفَ أعرفُ أنا أنك أحببتني كما أحبُّك "...

لا أُريدَ خوضَ تجربة غامضة كما الكثيرُ من قبل ،

لا أُريدُ المُجازفة بالسكينِ الذي غرستْ في قلبي ، اِنزعها بأمانٍ قبلَ أن تتغلغلْ أكثر ، اِرحلْ .. ارحلْ يا عزيزي و انزعْ سكينَك الذي غرستَ و اِمضِ في صمتْ ..

فالبُكاءُ اليومَ خيرٌ من الغد .

مريم طه

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مبدعة ما شاء الله 💖❤️

إقرأ المزيد من تدوينات مريم طه

تدوينات ذات صلة