عندما يصبح الإنسان رهين الوقت وحبيس الدقائق والثواني والساعات، وكل حركة وسَكْنَة، قد حُسبت بوحدة الثانية وجزء من الثانية،
عندما يصبح الإنسان رهين الوقت
وحبيس الدقائق والثواني والساعات، حركاته منضبطة بعقرب الساعة، وأنفاسه ونبضات قلبه، طعامه وشرابه ونومه، وكل حركة وسَكْنَة، قد حُسبت بوحدة الثانية وجزء من الثانية.
وقد كان الاعتقاد السائد بأن أسوء أمر قد يسيء به المرء إلى نفسه هو ضياع الوقت.
ولايُذكر ضياع الوقت إلا وقد استشهد على ضرر تضييعه بالقول الشهير : "إنّ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، ويرى البعض أن المقولة الأصح تُشبّه الوقت بالسيّل، ولكن إن دققنا في هذا القول فيَظهر لنا أن قائله لم يخصص القوة الكامنة في الوقت في إهلاك الإنسان بضياعه والتفريط به فقط، بل أيضا بالإفراط المبالغ بالاهتمام به،
حى يصبح الإنسان طائعاً له لا مُطاعاً، تابعاً لعقارب الساعة، لاهثاً وراءها، يقضي عُمره وهو يضبط إيقاع حياته المرسوم لهُ على حركاتها.
إنها منظومة العالم الحديث المعقدة، ويزيد عليها الرأسمالية والبيروقراطية المهووسة بالأوقات والمواعيد والجداول، حتى بات الإنسان رهين الوقت، يركض خلف جدول مواعيده، وينظم وقته وفق أوقات فُرضت عليه، فيرى أوقاته تُسرق منه أمام عينيه، وتُستلُّ من بين يديه، ولايملك أن يُمسك بدقيقة أو ساعة منها لنفسه يفعل بها مايشاء، ففقد أمانه النفسي وطمأنينته وراحته،
وأصبح داء العصر الفتاك هو التوتر والهلع والاكتئاب…
لقد ضاعت ذات الإنسان بين عقارب الساعة، وتحول لمادة تتحرك وفق الجداول الصارمة، وبدأت روحها تتلاشى شيئاً فشيئاً.
فترى إنسان العصر الحديث يعيش ضمن ضغط الوقت، صلاته عجولة ليلحَق بمواعيده، بالكاد يمكنه أن يخصص 10 دقائق من وقته ليقرأ القرآن ويتدبر معانيه، ولاأقصد هنا 10 دقائق في اليوم بل ربما في الأسبوع وفي الشهر، وأن يقضي الوقت مع عائلته هو أمر مؤجل حتى ينتهي من مواعيده.
ثم يسرق من وقته بعض الدقائق ليقضي فيها حاجاته الإنسانية كأن يُطبّب نفسه، ويهتم بصحته، ويلتقط أنفاسه، أو ليتفكر، ليحزن، ليفرح، ليعبر عن مشاعره، هو دائما في عجالة من أمره لأنه لايوجد وقت، وأي ثانية ستُفلت منه سيكلفه ضياعها الشيء الكثير.
هو في حركةٍ دائمةٍ، لكن! في مكانه! دون تقدم كلعبة البلبل يدور حول نفسه بسرعة كبيرة حتى تتلاشى قوته، ثمّ يقف بعد أن فرغت طاقته ليجد نفسه ثابتاً في موضعه.
وكأن الإنسان بات كمسننة ضمن آلة إنتاجية معقدة، مهمتها أن تدور فقط فكلما تَعب أعطوه في المقابل ثمناً بخساً،
البعض يرى الثمن هو المال، ولكن أي مالٍ هذا الذي سيعوض الوقت المهدور؟!
والبعض يرى الثمن هو الرفاهية والحضارة المعاصرة والشوارع النظيفة، والدقة في المواعيد!
وماذاك كلّه إلا عبارة عن زيت التشحيم الذي يبقي حركة الإنسان مستمرة لمصلحة عليا مخصوصة ببعض الأشخاص والمتنفذين،
وما إن فقدت هذا المسنّنة قدرتها على الحركة وتعبت واهترأت، ولم تساعدها مسنناتها في مجاراة الوقت وفي الاستمرار في إبقاء عجلة العالم الحديث دائرة،
كان الحل التخلص منها واستبدالها ورميها في مستودع الإتلاف حتى ينظروا في أمرها، أو تختفي من تلقاء نفسها.
ويبقى السؤال الملح في هذا العصر، أين الإنسان من كل هذا؟
هل تحول لشيء يشبه الآلة؟
هل مازلنا نراه كما خلقه الله ثلاثاً، روحٌ ونفس وجسد؟
أم هو عبارة عن مادة صماء كما أراد له منتكسوا الفطرة أن يكون؟ لايجب أن يملك الحرية في فكره ومعتقده وراحته،
والأهم من هذا الحرية في ضبط وقته !!
هي حرب الوقت الآن فإما أن يَأسِرَك أو تَأسِره ….
هي حرب الوقت الآن فإما أن يَأسِرَك أو تَأسِره ….
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات