كيف أنقذت الحكايا شهرزاد من الموت؟ ولماذا نقصّ القصص؟

كنت أفكر منذ يومين في قدسية الكلمات والحكايات تحديداً، وجال في بالي قصة شهرزاد الشهيرة مع شهريار والتي كان فيها المنقذ الأول: الحكاية. وللمصادفة وقعت عيني صباحاً على مقتطفات شاركها سعيد الغانمي من مسودة كتابه: "خيال لا ينقطع: قراءة في ألف ليلة وليلة" يقول فيها بأنّ السرد هنا كان له وظيفتان: حماية شهرزاد من الموت، وعلاج شهريار من الحزن (الناتج عن خيانة زوجته له ما دفعه لأن يحاول التخلص من النساء بقتل جارية كل ليلة).

وثنائية الراوي-المستمع\القارئ هي حاضرة دائماً في أي عمل روائي. فالراوي يكتب حتى ينجو من الموت مثقلاً بنفسه والقارئ يقرأ حتى يعالج خيباته وآلامه. هذه رؤية لطالما أتحسس حقيقتها.

في الواقع لا تشدنا الحكايا لأثرها العلاجي فحسب، بل أيضاً للشجاعة التي يتطلبها البوح. ولهذا السبب تستهويني القصص الواقعية، صحيح أن كل القصص بطريقة أو أخرى واقعية ولو لم تكن شخصياتها حقيقية، لكن تدهشني الشجاعة في قلب الكاتب الذي قرر أن يروي حياته كما هي ويعرضها على العلن غير آبه بالتهم التي ستوجه إليه، وهذا ما يجعل كتاب "اختراع العزلة" لبول أوستر واحد من كتبي المفضلة. لقد واجه بول بعد إصدار هذا الكتاب غضباً من عائلته التي عدته فضيحة، لأنه كان صريحاً أمام العالم عن حقيقة أبيه.

وهذا ما يجعل رواية "لا تخبري ماما" لتوني ماغواير واحدة من أهم الروايات في العالم، ليس لأنها كشفت عن قصة قاسية من بين آلاف قصص الإساءات الجنسية للأطفال فقط بل لأنها تطلبت من توني شجاعة لا لتواجه آلامها وحدها، ولكن لتواجه أصابع الاتهام التي كانت مدببة نحوها طوال حياتها، ولتساعد الكثير من الفتيات على معرفة حقوقهن والخروج من دائرة اللوم التي يحاول الناس دائماً وضعهن فيها.

هذا هو السرد وتلك هي الحكايا، حقيقة الإنسان هي كل ما نصبو إليه، الإنسان بعقله وقلبه واضطراباته. ما زالت الحياة تعلمني أنّ أكبر ظلم للكتابة أن توضع في قالب. عن ماذا يجب أن نتحدث؟ أنفسنا؟ آلامنا؟ ماضينا؟ ماذا علينا أن نكون؟ ماذا نتمنى أن نكون؟ ليس مهماً، ستظل النتيجة قصصاً إنسانية تستحق أن تُسمع. وستبقى القيود على الأدب من أكثر القيود حساسيّة؛ إذ ستجد دائماً من يكسرها ويعيد تركيبها إلى قيود أقل إحكاماً.


المهم أنّ ما كنت أنوي قوله يختلف عمّا قلته، كنت أودّ التحدّث عن قدرة القصص على إمساك الوجود رغم محاولات تملصه الدائمة. تحدثني أمّي عن حكايات قديمة بطلها جدي. فأتيقن أنّه كان موجوداً هنا، في نفس العالم الذي أنا فيه، وأنّه لم يكن حلماً. لقد كان موجوداً، هذا ما تظلّ الحكايا تردده في الليل، لقد كان موجوداً.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أورورا - صُبح

تدوينات ذات صلة