بالعمل يحقّق الإنسان وجوده و يفتكُّ حرّيته.بالعمل يحقّق الإنسان وجوده و يفتكُّ حرّيته.
يتمنى الكثير من أصحاب الوظائف لو أنهم يتمكنون من أخذ إجازة طويلة من العمل أو أن يجدوا طريقة أقل جهد و تتطلب أقل وقت لكسب المال فالعامل أو الموظف يعتقد أنه قد ودّع حريّته إلى الأبد إثر تولّيه وظيفته الّتي لطالما إستنزفت وقته و جهده مقابل أجر يحسبه زهيدا.لكن فلنتخيل كيف تكون حياة رجل ورث عن أبيه ثروة طائلة مكّنته من تلبية حاجاته دون عناء أو بذل جهد. هل سيكون حرّا؟ هل سيكون سعيدا و راضيا عن حياته؟ هل سيجد معنى لحياته و يحقّق وجوده؟
يقول جميل صليبا في المعجم الفلسفي: "يؤدّي العمل الّذي لا يحقّق الوجود إلى الإغتراب(و نعني بذلك الضّياع) و نعني به: فقدان الإنسان حرّيته و اِستقلاله الذّاتيّ بتأثير الأسباب الإقتصاديّة أو الإجتماعيّة أو الدّينيّة و يصبح ملكا لغيره أو عبدا للأشياء المادّيّة". فبالعمل يتحرّر الإنسان من سيطرة الطبيعة و من سيطرة الصّدفة. إذ له تأثيرات إيجابية على مستويات عديدة: على مستوى المادّة، على مستوى الجسد، على مستوى الشّعور و على مستوى العقل و المجتمع. بمعنى أنّ للإنسان القدرة على تشكيل المادّة و تحويلها إلى ما لم يوجد بعد من خلال العمل. فالإنتاج دائما ما يحمل جزء من بصمة المُنتِج. و بالتّالي فإنّ وجود الإنسان ينطبع على كلّ ما ينتجُهُ.
و في هذا السّياق، نأخذ مثال الباب الخشبيّ الّذي يحول بين بيوتنا و العالم الخارجيّ، الباب الّذي حين يُغلق ليلا يبعث على الأمان و حين يُفتح نهارا يستقبل أملا جديدا، يجسّد عمل يوم بالنّسبة إلى نجّار. إنّ جزء من شخصية و وجود هذا النّجّار تجسّد على هيئة باب خشبيّ، يقف أمامه سعيدا و يقول: "هذا عملي، هذا جهدي، هكذا أنا موجود"
دون ذِكر الشّخصيّات التّاريخيّة الّتي درسنا عنها، أو ذاع صيتها في ثقافاتنا المختلفة، و على الرّغم من رحيل معضمهم عن دنيانا منذ زمن بعيد، تظلّ رؤوسهم تطلّ من فوق قبورهم بفضل عمل قد تميّزوا به أو أكسبتهم شهرة أبديّة. و من هنا نستطيع القول أنّ العمل يُخرج الوقت من سياقه الزّمنيّ الغير الملموس و يحوّله إلى إبداع ملموس مادّيّا و وجدانيّا و يحفر بصمته على إنسانيّة الإنسان.
الخلاصة أنّه لا فرق بين أصحاب الثّروات الّذين لا يعملون و من يعمل مُرغَما مكروها مُتشبّها بآلة لا روح لها، كلاهما يفقدان إحساس الوجود و لا يسموان إلى مرتبة الحرّية. فالعامل السّلبيّ مثله مثل العاطل عن العمل أو أصحاب الجذور الغارقة في المياه العذبة( و نعني أصحاب الثّروات المُتوارثة) لا يستطيعون إلاّ قتل وقتهم في شيء، فبالنسبة للعامل السّلبيّ يقتل وقته في تمضية ساعات عمله لهدف واحد وهو أن تدقّ ساعة الإنصراف. فيقتلون وقتهم دون أن يبرّروا وجودهم، فيكونون من أصحاب الشّعور بالخواء و يحاولون الهرب منه من خلال إنشغالهم بما يقتل وقتهم.
فلكلّ صاحب وظيفة ضجر، تفانى في عملك و اِسعى نحو الأفضل دائما، و لكلّ غنيّ غبيّ يعتقد أنّه لا يحتاج إلى العمل، اِستثمر أموالك بشيء تحبّه و تخدم به مجتمعك و يجعلك فخورا بوجودك الإنسانيّ رغم ضآلته.
اسمي فاطمة اليوسفي، كاتبة مبتدئة في بداية رحلتي. كان لدي سابقًا تجارب متنوعة في الكتابة حول اهتمامات مختلفة لمجتمعنا الحديث، مثل المساواة والعمل والبطالة والفنون، إلخ. منذ 14 عامًا. كان ذلك من خلال مشاركتي في الأبحاث والمسابقات التي نظمها المعلمو المعهد. غالبًا ما أفوز أو أترك انطباعًا جيدا لدى المسؤولين عن المشروع. كثيرا ما أحصل على أفضل الدرجات.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات