الرسالة الأولى بنكهة القهوة المشروبة على مهل من رشّة ملح إلى رشّة فلفل

صباحك حرية وقهوة يا عايدة!

ها أنا أكتبُ لك من وكري السرّي – المباح لكل خلق الله – حيث أجلسُ في مقهاي المفضّل على كرسيّ جلديّ لطاولة خشبية تتسع لستة أشخاص – أستحوذ عليها وحدي – مطلّة على جدار زجاجي مزيّن بصبغٍ أبيض مرشوش ليظهر بلورات ثلجية - ظننتها للوهلة الأولى بقايا ضباب الصباح الذي يرفض مغادرة المدينة عالقًا بأطراف العابرين – مع زينةٍ فوق رأسي وحولي وفي كل مكان استعدادا لاستقبال رأس السنة الميلادية 2021.

إنه نوفمبر، وبمرور أحد عشر شهرا من هذه السنة المحمّلة بالكوارث والمفاجآت نكون قد حصلنا على ميدالية شرف البقاء – لن أهتمّ لمعدن الميدالية وسأكتفي بتحقيق اللقب! – لذا فإن تساؤلا شيطانيا مثل: ماذا يمكن أن يحدث في شهر واحد؟ سيبدو مربكا ومقلقا. تعرفينني يا عايدة، أنا كائن يثقُ بحدسه، وحاستي السادسة كما أصفها لنفسي – بنت كلب! – وهكذا.. فإنني سأقضي ما تبقى من نوفمبر وديسمبر في حالةِ ترقّب كسلطعون بحر يخفي جسده ويبقي عينيه متوثبتين جاهزتين للانغماس في رمل البحر أكثر فأكثر إذا ما تطلّب الأمر.

أعتقد أن مشاركتنا رسائلنا ههنا على منصة ملهم تجربةٌ فريدة من نوعها – بعد أن أرهقنا هوتميل، وبلغتنا إشاعات بإغلاق بريد ياهو قريبا – ولا أظننا سننشر غسيلنا اليومي حرفيًّا – لأنني أثق بأن الأمهات وحدهنّ يستحوذن على مواهب الغسيل.. غسلا.. ونشرا.. وكيًّا.. وطيًّا!! – إنما سنثرثر على الملأ مثلما يتلصّص عابرٌ على عابرٍ آخر يتحدث عبر الهاتف مع شخصٍ يثق فيه دون أن ينتبه إلى أذنٍ متنبّهةٍ معه.


سأبدأ معكِ من هنا يا عايدة، من آخر ما حصل لي، من مذلّة القهوة! تعطل جهاز القهوة الذي لديّ – وكنتُ في مراحل إدماني الأخيرة أستيقظ شاكرة الله كل يوم على وجود جهاز قهوة متخصص في منزلي يكفيني حاجة النزول إلى أي كافيه في المدينة، وكلما عنّ لي ذلك حدّثتُ نفسي: لديّ صالة تشرحُ القلب ومكتبة تتمدد بإغراء لم تحلم مارلين مونرو أن تبلغه، فماذا أحتاج بعد!

ويحدثُ أن يجنّ جهاز القهوة، وتتلون شاشته – التي كانت باللونين الأبيض والأسود فيما مضى – بكل ما يخطر على بالك من ألوان، بل وتتحدث بالصينية والروسية والإنجليزية والعربية دفعة واحدة، قبل أن تصاب بجلطة دماغية وتتيبس أعضاؤها تباعا، ثم.. تلفظ الأنفاس! تحايلت عليها، قبّلتها قبلة الحياة بلا فائدة، أجل؛ ما يمنع يا عايدة! إنني مستعدة لتقبيل جهاز قهوة على تقبيل بني آدم من لحم ودم! على الأقل.. قبلة القهوة توقظ حواسنا، بينما قبلة البني آدمين تنتهي بنا إلى الدرك الأسفل من... (وللا بلاش!).

هكذا، دخلت في منحنى كيوبلر روس، حاولت أن أنكر ما يحصل، ولم أنتهِ إلى نتيجة تعيد قهوتي إلى الحياة! فحملتُ الجهاز لإصلاحه، وبدأت تشغيل إعدادات الخطة البديلة: قهوة صباحية في أي داهية.. ريثما يعود الجهاز للبيت سالما معافى!

تضحكين! ها! طيّب، أنتِ أدرى بأن القهوة لا تؤثر بي سواء كانت بكافيين أو دونه، المسألة مزاجية بحتة، أظن كل من يقرأ رسالتي لك سيتفق معي على مسألة المزاج، الشعور بالخفّة والطيران، التأمل في السائل الأسود – أشربها سوداء دون سكّر – والعودة بالزمن إلى الأغنام الأثيوبية التي ندين لها بفضل اكتشاف القهوة، أو لعلنا كنا بين هذه الأغنام وها نحن – معشر عشاق القهوة – نتجدد على هيئة بشرٍ يدمنون القهوة.. من يدري! كل شيء جائزٌ الآن في هذا الظرف الطارئ، حتى الحصول على جرعة من قهوة كوبي لواك.. ممكن! آه والله ممكن!

أكره القيد، الالتزام، الانتظار، ويبدو أن كل ما أكرهه يحاصرني الآن! لا تحدّقي بي وترفعي حاجبك الواحد لتهمسي: قلتُ لك.. إنها طاقة الجذب! آخ! طاقة منيّلة بستين نيلة.. إنها تجذب كل شيء، حتى إيطاليا!

ماذا عن إيطاليا؟ لا، تلك قصة أخرى، سأحدثك عنها فيما بعد، هي ومقتنياتي من معرض الكتاب الذي لم تحضريه بسبب هلاوس زوجك بشأن "فيروسة" كورونا التي تستلقي على أغلفة الكتب وتقول: هيت لك!

أظن أن رسالتي هذه وصلت إلى نهايتها، وأحتاج الآن إلى كوب قهوة برازيلية آخر؛ لأركز على ما بين يديّ من كتبٍ أدققها يجب أن أسلّمها هذا الأسبوع، قبل أن أعود لبيتي وأصبّر نفسي بالقهوة التركية إلى صباح يومٍ تالٍ.


قبلاتٌ – بنكهة القهوة – لك ولكوكي.

أمل.

رشة ملح

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أكرههك جدا يا رشة ملح ...قهوتك تثير في كل ما هو مباح عندما سكت عن الشعور باللامباح..فأنا صمت عن كل ما هو مجدٍ وقررت التفاهة سبيلا لأجل العيش وإخراس قلبي

إقرأ المزيد من تدوينات رشة ملح

تدوينات ذات صلة