قد يكون الموقف تافهاً ... لكنك ما إن تنعم النظر حتى تكتشف ما لم يكن ظاهراً أمام عينيك كلَّ تلك السنين.
إن النقود على نقيض ما يدور حولها من شر فإن لها جانباً آخر.
جانباً لا يمكن لمن حرم منها أن يدركه عنها ، ألا و هو معرفتك بنفسك.
قد يبدو الأمر برمته محض سخفٍ و زلة قلمٍ لهاوٍ لا يدري ما يكتب ، و لكن ما استوقفني بالأمس حالةٌ تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار.
في مساء الأمس بعد سهرةٍ لطيفةٍ غازلها نسيم البحر و أطراها حواري مع صديقٍ لي توجهت إلى مركز التسوق لأبتاع لنفسي القليل من الحاجيات ، و ما إن وجدت نفسي أقف أمامه حتى حملته و وضعته في سلتي.
إنه كوب جديد للقهوة اشتريته لا لحاجةٍ و لا لنقصٍ في الأكواب لدي ، و في صباح اليوم حينما استعملته للمرة الأولى تساءلت ما الذي دفعني لشرائه مع عدم اضطراري لذلك و كان الجواب هو فقط أني أريد و كان التعليل فقط أني أستطيع.
تبادر في ذهني بعدها أني أحب أن أجمع من الأكواب ما هو طويل و نحيف و ما هو قصير و عريض و ما هو بينهما كالكوب الأبيض الذي هو نحيفٌ في قاعه و عرضٌ في أعلاه ... نعم ... كالكوب الذي اشتريته بالأمس.
أدركت الآن أني أحب هذا الشيء و أهواه ... على بساطته لكنه رائع ... أدركت أني اليوم علمت عن نفسي أمراً لم أكن أعلمه.
ما كنت في الماضي أكره الأكواب و لكني لم أكن أنفق مما معِيَ عليها لأن ما معيَ آن ذاك لم يكن زائداً ، أما اليوم فإن ما معي من السَعَة ما يكفي لا لأشتري كوباً للقهوة فحسب ... بل لأتعرف على نفسي بشكلٍ أكثر تفصيلاً و لو كانت هذه التفاصيل تبدو صغيرة.
أدركت بعد ذلك أن الفقر و الآفة لا يحرمانك متع الحياة و زمردها و بهرجتها ... إنما يحرمانك أيضا من أن تعرف نفسك حق المعرفة ، من أن تعرف ما الذي كنت ستختاره لو أن كلَّ شيءٍ أتيح أمامك و أُلغيت النقود من المعادلة.
تلك الاختيارات لا نعلمها لا أنا و لا أنت يا صديقي ، لكنَّ النقود على ما فيها من حقارةٍ و خسةٍ في جانب فإن لها جانباً آخر لا يمكن لنا أن نغفل عنه.
أدركت اليوم حقاً أني ما زلت أحتاج المزيد لكي أتعرف على تلك الحقيقة المدفونة ... حقيقة نفسي.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات