خاطرة عن شعور غامض يصعب وصفه… حين لا تكون بخير، دون سبب واضح، فقط “هكذا”.
لم أكن يومًا هكذا.
— ماذا تقصد بـ“هكذا”؟
أقصد أنني لست على ما يرام، لكنني لا أشكو من شيء… أي “هكذا”.
— لا يوجد شيء اسمه “هكذا” بلا معنى، فلكل حالة اسم!
أممم، وما اسم هذه الحالة التي أشعر بها إذن؟
— لعلّك تشعر بالضجر، أو الكسل، أو ربما بالحزن والإنهاك، أو أنك فقط تحتاج إلى قسط من النوم!
يا هذا، إنك تعقد الأمور! قل لي مباشرة إنني مكتئب مثلًا!
— لااا، لا تبالغ. بالتأكيد لست مكتئبًا، فالاكتئاب له أعراض كثيرة وعميقة، فلا تندفع هكذا. أعتقد أنك فقط تحتاج إلى بعض الراحة.
لا أبالغ، لقد قلت لك منذ البداية إنني أشعر بـ“هكذا” ولم أسمِّ شعوري بشيء! لكنك كثير الكلام والتفكير، فبدأتَ بالتحليل والتخمينات.
— ربما أبالغ فعلًا، لكنني أعرفك منذ كنت صغيرًا: بدأت حياتك من الصفر، بلا علم، بلا علاقات، بلا صداقات، لا شيء فعليًا. لذلك أحكم عليك الآن، لأنني أعرفك أكثر مما تعرف نفسك. ولهذا أقول لك: خذ قسطًا من الراحة، أو تحدث بوضوح وقل ماذا تعني بـ“هكذا”!
آه… نسيت أن بيننا علاقة وطيدة! وأنك دائمًا تعلم كل شيء وتحلل كل شيء، وتحتفظ بكل التفاصيل لأنك عقلي الباطن الذي لا ينسى، لكنه يتساذج ويسألني وهو يعرف جيدًا ماذا أشعر وماذا أعني!
— لا تنفعل، اصمت قليلًا واستمع لي لتعرف ما تقصد بـ“هكذا”!
نعم… أقصد بـ“هكذا” أنني لست بخير. نسيت متى آخر مرة استمتعت بها حقًا. نسيت من أكون. أتجاهل ما أريد. متشتت — ولا تعلّق على “متشتت” فأنت تعلم أنها طبيعتي — لكن هذه المرة تشتت لا معنى له، ولا أجد حتى أسئلة أطرحها لأجيب عنها. أريد ولا أريد. دماغي كيميائيته غريبة، وربما مضطربة. لا أعلم حقًا ما هو “هكذا”، لكن ربما أعرف السبب.
— إذًا، تعرف مقصدك من “هكذا”. ودعني أقول لك — بعيدًا عن السبب — إن ما تشعر به طبيعي جدًا. فأنت مختلف، وأشدد على كلمة “مختلف”. لا أقول ذلك مدحًا، فمن يمدح نفسه كاذب، وأنا وأنت واحد. لكنني أقولها من منظور أوسع…
آه، قلت “مختلف” كثيرًا!
— اصمت ودعني أكمل. منظور يملؤه حسن الظن بالله. فأنت تبذل جهدك في كل شيء، وشعورك بالتشتت نابع من عدم رضاك، ولن ترضى، فهذه طبيعتك وطبيعتنا. لكن صدقني هذا توقيت طبيعي تمامًا لهذه المشاعر. فهذه الكيمياء الغريبة التي لا تفهمها تقودك أحيانًا إلى الجنون، لكنها أيضًا تعطيك دفعات من السعادة والتعلّم.
خذها مني: استمتع بوقتك، تعثر وتعلّم. لطالما تعثرت، فلا تنسَ من كنت، وما أصبحت، وما ستصبح. ركّز. لا أقول إنك ستصبح “مهمًا”، بل أقول إنك ستصبح شيئًا. لأن السعي آخره الوصول — لا أعلم إلى أين — فأنا أعيش معك الحاضر، وأتمسك بالماضي قليلًا أيضًا.
لا تكن منطقيًا بالكامل، فالعالم مليء باللامنطقية. كن أنت، وافعل ما تراه عقلانيًا ويستحق المجازفة. اسمعني جيدًا: ليست كل قراراتنا منطقية تمامًا، أحيانًا نغامر لكنها مغامرات محسوبة بعقلانية.
ركّز بكلامي، ودعنا نمضي قدمًا. اذهب للنوم، لأنك ستستيقظ — إن شاء الله — لمهام جديدة، وستتذكر أن لديك هدفًا، ومن يملك هدفًا يملك كنزًا؛ فالهدف وحده كفيل بشحنك ودفعك للاستمرار.
يااا…
— اصمت قلت لك! وإن لم ترغب بالنوم، شاهد مسلسلك المفضل الآن على شاهد — (يا له من إعلان سخيف! أمزح) — استمتع بوقتك، فالغد يحمل في طياته الكثير من الغيب!
التعليقات