رافقتُ أئمةً كانوا لُعزلتي أنس، وصحبتُ أشياخاً كانوا في وحدتي بهجة، وكلُّ ذلك كان من مكتبتي ..

سألني أحد الأصدقاء، كيف يُمكن ليد تكتبُ العلم والأدب أن تُحطّم الحجارة والخشب ؟

لأنّ تحطيم الحجارة براحة اليد كانت من هوايتي الثانوية ..

فقلتُ له :

وكيف لا وقد عاركني الأدب، وأدماني الفقه، ولكمني النحو، وأنهكني الصرف، وقتلني الشِعر.


كيف لا وقد صارعني السهر في التدوين والكتابة؟

كيف لا وقد درّبتني الكتب، فجعلتني مُمارساً لحفر أنفاق الأدب بريشة القلم، وأن أتسلّقُ قمم العلم بأُنمُلين فيهما يراع

وباليد الآُخرى قبضة آخذة بقوة: كتاب وأوراق، وأصلهما النيّة الخالصة والعمل الجاد.


قوّى القلمُ أناملي فجعلني أُحطّم الحجارة، وزادت الكتب عضلات قدميّ فجعلتني أزورُ شتّى بقاع الأرض دون أن أكلّ، بل دون أن أنهض من مكتبي ..


شهدتُ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، فنصرتهُ في قلبي، وعظّمتهُ في نفسي، وودتُ لو أفديه في روحي.


حضرتُ مجالس علم مالك فعلّمني الثقة بالله، فأخذتُ عنه قوّةَ الشخصية وأن لا أخشى في الله لومةَ لائم، وجالستُ الشافعي فأستفدتُ من حروفه الشعر والأدب، ومن أفعاله الحكمة والعبادة، ومن مجالسهِ الأصول وفقه الحديث، صحبتُ أحمد وتتلمذتُ عنده فعلّمني الزهد وكيف أطلّق الدنيا ثلاثاً طلاقاً بائناً لارجعة فيه، تلقنتُ من فقههِ، واستفدتُ من سمتهِ، وحصّلتُ من علمهِ، واقترأتُ من صبرهِ، واستقيتُ الكثير من مذهبهِ.


وهذا شيخي المحنّك ابنُ تيمية أطلعني على كتبه في العقيدة، وألقى الضوء في تدريسي على التمسك بمذهب السلف فتعلمتُ منه أنَّ الرادَّ على أصحاب البدع مُجاهد والساكت عنهم شيطانٌ أخرس، ومُقرّهم إبليسٌ ناطق،

فقّهني قوة الحُجّة، وشجاعة الجهر بالحق، وفي آنٍ واحد علّمني كيف أُنصفُ عدّوي، ولا أرميه بالتهم، إنما الجدال بالتي هي أحسن تبياناً للحق.


رافقتُ الحاذق ابنُ القيم، فأرشدني إلى تهذيب النفس ومحاسبتها، وفي الخلوات مراقبتها، وإلى درجة الإطمئنان والإحسان إيصالها، رقّقَّ قلبي بعد قسوته، وأيقظ روحي بعد غفلته، وهذّب نفسي بعد فُحشها.


رحم اللهُ شيوخي و أصحابي، وأسكنهم فردوسه، وجزاهم عن المسلمين خير الجزاء .

وهل جزاءُ الإحسانِ إلّا الإحسان ؟

اللهم كما جعلتهم لوحدتي أُنس، ولعزلتي صُحبة، أجمعني بهم في الفردوس وصيّرهم لي رفقة هناك مع إمامي وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم، آمين، والحمدُ للهِ ربّ العالمين.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ما أبهاه من مقال والله ♥️

إقرأ المزيد من تدوينات عبد العزيز جنيد

تدوينات ذات صلة