التلاعب النفسي يعني التحكم الواعي لشخص ما للتدخل في إرادة الآخر من أجل تحقيق أهداف معينة ضد الإرادة الشخصية للمتلاعَب به.

كانت هناك فرضية مثيرة للاهتمام في علم النفس منذ الثمانينيات تفترض أننا جميعاً في وقت معين نمارس التلاعب العاطفي: يتلاعب الطفل بوالديه باستخدام الصراخ ليحصل على الطعام؛ يتلاعب الآباء بأطفالهم بمكافأة أو عقاب للقيام بما يفترض أن يفعلوه؛ يتلاعب العشاق ببعضهم البعض من خلال منح المودة أو الحرمان من الحب. وحتى هذا التناوب العاطفي هو تلاعب لإبقاء الحب ممتعاً. باختصارإذا كنت تصدق الفرضية فلن تفعل شيئاً بدون حساب، وبدون دافع. هذا لا يعني أننا ندرك ذلك باستمرار، فقد نمارسه دون ادراك لذلك.


نحن عرضة للتلاعب في حياتنا اليومية بشكل شبه مستمر وفي كثير من المجالات كالسياسة والإعلان ووسائل الإعلام. إنهم يريدون إغواءنا والتحكم في نهاية المطاف بأفكارنا، مشاعرنا، رؤيتنا والتأثير على قراراتنا. والمتلاعبون ليسوا فقط ديماغوجيون ونرجسيون أو زعماء دينيون يمارسون التضليل والخداع، حتى في المجال الخاص وعلى مستوى علاقاتنا هناك من يتلاعب بنا، ولكن هذا التلاعب النفسي يكون أكثر غموضاً وتعقيداً.


أتحدث هنا عن علاقاتنا اليومية سواء مع أفراد عائلتنا، الشركاء، الزملاء في العمل أو الدراسة والأصدقاء. هذا التلاعب العاطفي والنفسي موجود حولنا وفي كل مكان، ولكن غالبًا ما يتم إخفاءه. يمكننا حتى أن نقع في الفخ بسهولة دون وعي منّا ونستخدمه بأنفسنا. علينا أن نفهم أنه ليس من المهم فقط أن نكون حذرين ماذا نقول، بل أيضاً حذرين في كيفية قول ما نريد. وبشكل عام، من المهم أن نعرف كيفية التعرف على التلاعب النفسي وكيفية الاستجابة له.


يتم التلاعب العاطفي غالباً بالكلام واستخدام اللغة، وإذا كان هناك تلاعب بالكلمات، فهذا يدل على وجود خلل في العلاقة مع الطرف الآخر، ولا يتم فقط استخدام اللغة للحصول على المزايا الشخصية أو التحكم في الآخر، بل هناك النية في بعض الأحيان حتى لإيذائه. إن عواطفنا تولد هذه العدائية الخفية ليس فقط في الآخرين، ولكن أيضاً في أنفسنا.


توصل الكاتب البريطاني ألدوس هكسلي (Aldous Huxley) إلى استنتاج مفاده: الكلمات يمكن أن تكون مثل الأشعة السينية تخترق كل شيء بطريقة مكيافيلية: احترام الذات والكرامة وحتى هوية الآخر.

وبالنسبة للمكيافليين، فإن أفضل طريقة للتعامل مع الآخرين هي إطراءهم وقول كل ما يريدون سماعه. وهم يتسمون بعاطفة عميقة خفيّة مع مواقف ساخرة وشخصية كاريزمية، مما يجعل المكيافليين سادة عظيمين في التلاعب والخديعة. أي شخص قرأ كتاب "الأمير" لنيكولو مكيافيلي سوف يعترف بلا شك بهذا والعديد من الخصائص الأخرى. دعونا نتذكر على سبيل المثال ما قاله ميكافيللي نفسه عن كل من هم في موقع سلطة:

طالما يُسمح بالاحتيال أو الخيانة فلا بأس التخلي عن الفضائل مثل الصدق حتى يتحقق الهدف المنشود.


الآن لا يحتاج المكيافليون إلى قراءة المكيافيلي لإقناع أنفسهم بأن الغاية تبرر كل وسيلة. لذلك يجب أن نتعلم التعرف مبكراً على علامات التلاعب النفسي، لتفادي آثارها المدمرة في العلاقات الشخصية.


أهم علامات التلاعب النفسي:


  1. قلب الحقائق: أي شخص يتقن التلاعب النفسي هو استراتيجي بارز يمكنه أن يقلب الحقيقة بمهارة، يمكنه تمثيل حالة معينة لصالحه ويلقي المسؤولية على نظيره. بالإضافة إلى ذلك يحجب الحقائق المهمة ويبالغ في عرض حقائق أخرى.
  2. الاتهام بأنه من المستحيل التحدث إليك: هذا النهج بسيط بقدر ما هو مباشر وفعال. إذا أخبرك أحدهم أنه "من المستحيل التحدث إليك" فإن الشخص يرفض تماماً أن يفعل ما تريده أنت تحديداً: أي التحدث عن المشكلة. غالبًا ما ستسمع أنك شخص عاطفي جداً أو أنك تعمل من الحبة قبة.
  3. الاضطهاد الفكري: يحب المتلاعب النفسي العاطفي أيضاً استخدام هذه الاستراتيجية فيطرح باستمرار كثير من الحجج التي تحتوي على مجموعة متنوعة من المعلومات والحقائق والمنطق الملتوي. وهذا مرهق عاطفياً وقد يوصل إلى استنتاج مفاده أن نظيرك على حق.
  4. منح الإنذارات وترك القليل من الوقت للتفكير فيها: مثل التهديد "إذا لم تقبل بما أقوله لك، فقد انتهى الأمر. سأعطيك الوقت حتى الغد للتفكير في الأمر”. هذا النوع من التواصل هو بلا شك مؤلم ومرهق للغاية، نحن عالقون في مأزق، فهذا يخلق خوفاً كبيراً ومعاناة عاطفية. علينا الادراك أن لا أحد يحترمنا ويحبنا حقاً سيضعنا أمام هكذا خيار: كل شيء أو لا شيء، هذه استراتيجية تلاعب.
  5. الفكاهة مع السخرية: إذا كانت الفكاهة مع السخرية تعمل على الإذلال والاستهزاء، فهذا نوع آخر من التلاعب النفسي، يحاول المعتدي أو المتلاعب التقليل من شأننا وفرض تفوقه النفسي علينا.
  6. الصمت أو السلوك المراوغ: قد يُقال لك: لا أريد التحدث عن ذلك أو إنه ليس الوقت المناسب للكلام. غالباً ما تُسمع هذه الجمل في العلاقات، خاصة عندما يفتقر أحد الشركاء إلى مهارات الاتصال والشعور بالمسؤولية.
  7. التظاهر بالجهل: يتظاهر المتلاعِب أنه لا يعرف ماذا تقصد على الإطلاق، وعدم فهم ما تحاول قوله أو فعله. أنت متهم برؤية الأمور معقدة للغاية، وأن المحادثة لن تكون ذات معنى. تعتبر هذه الاستراتيجية نموذجية من المتلاعِب العدواني السلبي الذي يتجنب تحمل المسؤولية ويجعل الآخرين يعانون نتيجة لذلك.
  8. قدم حججك أولاً: واحدة من أدق وسائل التلاعب النفسي هي السماح للآخر بتقديم حججه. يتم تحقيق أشياء مختلفة باستخدام هذه الاستراتيجية. أولاً يكتسب المتلاعِب الوقت اللازم للرد على حججك. يمكن أن يساعده ذلك أيضاً في العثور على نقاط ضعفك. يمتنع المتلاعِب النفسي عن التعبير عن أفكاره أو آرائه الخاصة إلّا بعد الاستماع إلى أفكارك. ثم يطرح أسئلة ساعياً من خلالها لاستكشاف مواطن الضعف بدلاً من التوصل إلى حل مشترك. ويتم توجيه المحادثة بحيث ينتهي بك المطاف كشخص أخرق وضعيف.


التلاعب النفسي30708015790670064




بعض النصائح التي يمكنك استخدامها ضد التلاعب:

  • يجب التشكيك في المعلومات قبل قبولها ببساطة واعتبارها أمرا مفروغا منه: التلاعب بك سهل للغاية إذا كنت من النوع الذي يقبل ببساطة ما يقوله الآخرون. لكي تكون قادراً على التعرف على التلاعب المحتمل، يجب أن تنتهج الاسلوب النقدي والفكر الناقد.
  • تحقق من قرارك: عندما تتخذ قراراً ما، تتوقف لفترة وجيزة وأسأل نفسك: هل هذا قراري حقًا؟ هل أختار ما أريده أنا شخصياً؟ أو ربما شخص آخر اقترح لي هذا الطريق. طبعاً النصيحة مرحب بها، ولكن في النهاية يجب أن يكون القرار قرارك.
  • فخ الشعور بالذنب: إذا تصرفت بدافع شعورك بالذنب، فغالباً ما يكون هناك تلاعب خلفه. كن حساساً لعالمك العاطفي أصر على حقك في أن لا تصاب بخيبة أمل لا تدع نفسك في دور الجاني الذي يقع عليه اللوم دائماً وعلى كل شيء.
  • إذا لاحظت أن أحداً ما يحاول التلاعب بك، فإن الهجوم هو الحل الأفضل. الدفاع عن نفسك وإعطاء رأيك بشكل لا لبس فيه، لا يحق لأشخاص آخرين التأثير عليك من أجل المصلحة الذاتية.
  • إذا لاحظت أنه يتم دفعك إلى دور يجب أن تشعر فيه بالتعاطف ويُطلب منك إرضاء الآخر قل "لا". يجب على المرء عادة تقديم خدمة لصالح شخص لأسباب غير أنانية. لا تدع الشخص يلعب بضميرك، قد يكون من المفيد اتخاذ موقف مراقب أولاً. كن واضحاً بشأن رأيك ولا تثق بسرعة كبيرة.
  • الدفاع ضد السحر المبالغ فيه: لا تصاب بالعمى نتيجة السحر الخاص والجاذبية لشخص ما. استفسر عن الدوافع وراقب السلوك عن كثب، الفضيلة التي يظهرها لك شخص ما، لا يجب أن تكون مرتبطة بظروف وشروط معينة. لذلك لا تشعر بالالتزام إذا طلب الشخص معروفاً بعد مديح ما. لا تدع نيتك الطيبة تُستغل ولا تخدع بسحر سطحي.
  • التواصل الناجح ليس مقابلة، بل يقوم على المعاملة بالمثل، فلا تدع التواصل يبقى من جانب واحد، أظهر أن لديك نفس الحق في معرفة الكثير عن محاورك كما هو الحال بالنسبة لك. تأكد من أنك تكشف عن نفسك فقط بقدر ما تريد. لا تدع نفسك في الزاوية.

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كلام مفيد جداً خاصة في هذا الوقت...

طول عمري حذرة وبتبع أسلوب المراقبة وبسمي حالي observer لاني مو من الناس الي بعرف أكشف الي قدامي بسرعة، خصوصاً انه عندي حسن الظن بالناس وما بحب أظلم حدا بحكم مسبق.. مرة وحدة بس، ما عملت مراقبة كافية، وما استخدمت عقلي، وقررت أطنش الred flags وكانت النتيجة مؤلمة.. وقعة مع شخصية نرجسية وتلاب عاطفي... الله يحفظ الجميع.. بعتبر نفسي نجيت بأعجوبة.. إن شاء الله الناس ينتبهو وياخدو مقالتك على محمل الجد ويطبقوها، مش بس قراءة وينسو...

كلام منطقي وجميل😊

إقرأ المزيد من تدوينات ميسون أبوزغيب

تدوينات ذات صلة