الجميع يبحث عن السعادة.. حتى أنا عندما قمت بكتابة هذا المقال
بدايةً.. عندما أطلعتُ على مفهومِ السعادة وفلسفتها وجدتُ أنَّ الكثيرينَ قد اِختلفوا في تَعريفِ السعادةِ بينَ الفَلاسِفَةِ والمُنظّرين، فَمِنهُم مَن رَبَطَ مفهومَ السعادةِ بالإِشباع الذَاتي للغَرائِز الجسمانية، كالأكلِ والشربِ والجِنسْ! وعليهِ أنَّ مَن ربطوا السعادةَ بهذهِ الاشياء الماديّة الجِسمانيّة إِنما اقتربوا للحيواناتِ البَهيميّة بَل جَعَلوا الاِنسان بمفهومِ سَعادتهِم إِنما هُو حَيوانٌ لا يَعرفُ سِوى الأَكل والشُربِ والجِماع! أما ما ذَهَبَ إِليه فَريقٌ آخر من الفَلاسِفة الرُومان وغَيرُهم، وأخصُّ بالذكرِ الفلاسفةُ المُسلِمُونَ فقد عرّفوها إِنما هيَ الابتعادُ وعدمُ الخضوعِ لمغرياتِ الحياةِ الدنيئة والتكالبِ عَليها وامتاعُ الجَسَدِ بالمفهومِ المَاديّ فَقط! إِنما بالعقلِ والرُوح.. فَقد قَدَّم الفَيلسوف "محمد بن محمد بن طرخان الملقب بالفارابي" تَصوُره عنِ الغَايةِ القُصوى، وكَثُرَت مُؤلفاتهُ المَعنيّة بموضوعِ سَعادة الإِنسان، والتي اِطلعتُ عليها وهيَ مُتاحةٌ على الانترنتْ لمن أَراد، مِثل "آراء أهل المدينة الفاضلة" و "تحصيل السعادة"، لذلكَ عُرف فيما بعد بـ"فيلسوف السعادة".
وبذلكَ تكونُ الأمورُ التي تُشعِر الاِنسان بالسعادة هيَ غِذاءُ العَقلِ ورياضاتهُ المُتنوّعة المَليئة بالعلمِ والمَعرفةِ والحَق، فإِن عَرَفتَ خَالِقَ هذا الكونِ وقرأتَ سُنّة نبيهِ مُحمّد صلى الله عليه وسلم، وَعَمِلتَ بالواجباتِ، وتركتَ المُحرّمات، سَتَقِفُ على الحقِ بعيدًا عَن الاَخطاء والاَهواء التي تؤدي بكَ إلى الرذائلِ والانحطاط الذي يَسلبُ سَعادَتَكَ التي كُنتَ تَرجوها.
فالسعادةُ نوعان: عقليّة وروحيّة، فالعقلية ذَكرنا ما ذَكرناهُ، وأما الروح فَما وَصَلَ اليهِ العَارِفونَ باللهِ، من وصالٍ وزهدٍ وورعْ عن الدنيا وملذاتِها وشهواتها وصاحبت اَرواحُهم، بلّ حَلّقت بِهم في عالمٍ آخر هو عالمُ السُموّ الرُوحي والاَخلاقيّ.. وهو أصعبُ انواعِ السَعاداتْ.
ومن مُتطلباتِ السَعادة هِيَ أَن تَكون عَاقِلًا فَاهِمًا مُدركًا بأُمور دِينكَ ودُنياك.. لا عبدًا تابعًا للمُغرَياتْ.. فَتحكيمُ العَقلِ في القَراراتِ هُوَ الفَيصل في نَيل السَعادة، وعَدَم الاِنجراف إِلى النَزواتِ، فالنزوة الحَاصِلة مُمكِن أن تُحدِث مُتعةً وَقتيّة مِن المُمكِن أن يَعقُبها نَدَمٌ طَويل وتَعاسة وشَقاء وهوَ عكس المُراد مِن السَعادَة.
ويَربط الكَثير مِنَ العَارفينَ الزَاهدينَ والسُعداء القَانعين السَعادة بالأَشخاص، فَمِنهُم مَن يَربطها بوالديهِ أو بشيخهِ واستاذهِ ومعلمهِ، أو زوجتهِ وولدهِ، فإِذا جلس معهم وإليهم كانَ اسعدَ الناسْ، ومِنهُم من يَربطها بمصلاهُ ومسجدهِ أيّ بالمكانْ، فإِذا ذَهَب اليهِ كانت السَكينةُ والسعادةُ في اقصى دَرَجَاتِها.. ومنهُم مَن يَربطها بالزمان، كالمُنَتظِر لمولودهِ أو تحقيق حُلمهِ المُمكن.. ومنهم العَامِلون المُرابِطون في أَماكن اَعمالِهم كالأساتذة في جامعاتِهم وهم يعلّمون الناسَ الخير، والمُدراء والمُشتَغلين بالأَعمال التَطوعيّة تَراهُم لا يَسأمونْ ولا يَملّون.. بل سُعداء فَرحِون، إِنما ذَلِكَ لما وَجَدُوه في عَمَلهم مِن السَعادة بالعَطاء!
وعليهِ يُمكن لأَيّ اِنسان أن يَصِلَ للسعادةِ بفعلِ الخَيراتْ.. لأنَّ فِعلَ الخَير اِنما يُورث سَعادةً فَرديّة للإِنسان العامِل، بَل ولمحيطهِ الاجتماعي الجَماعي، فَفِعلُ الخَير لَهُ نتائج اِجتماعيّة وفَرديّة عَلى حدٍ سَواء. لذلكَ اعتقدُ أنَّ السَعادة قَرار، واِختيار الصَالح منَ الطَالح، العَدلُ منَ الظُلم، اِحقاق الحَق على نَفسِكَ اَولًا.. ليتولدَ شُعور جَميل يَنقُلكَ من عَالم اللامُبالاة إِلى عَوالم جَميلة سَعيدة فَرِحَة. لِذلكَ يَطرح الكثيرونَ التَساؤل الاتي: هُو كيف اَقوم بإِسعاد نَفسي؟
أقولُ وباللهِ التوفيق أنَّ العَمل على تَحسين ذَاتِكَ ومستواك والاِرتقاء بها عِلميًا ومَعرفيًا واَخلاقيًا هوَ ما يَجعلُ الاِنسانْ سَعيدًا فَخورًا بنفسهِ مُهابًا بين اَقرانهِ.. أما مَن يَرى اَنَّهُ سَعيد ويريدُ أن يَنقُل السَعادة للآخرين فعليهِ بالنُصح لهم والاِرشاد وان يُوجههم للأَعمال التي جَعَلَت مِنهُ اِنسانًا نَاجِحًا سَعيدًا كتعليمهم كَيفيّة تَنظيم الوَقت، الحُصول عَلى شهادة عِلميّة، ومساعدة المُحتاجين والعَجَزة، وتَحقيق أَحلامهم المُمكِنة، ولا ننسى برّ الوَالدين والاَقربين والاولى بالمعروفْ.. ومَن لَم يَكُن فيهِ خَير لإِسعاد نَفسهِ.. فَلا خَير فيهِ ولا سعادة للآخرين.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات