"السعادة لا تباع ولا تهستري هي لحظات غالية عند اغني وافقر الناس، ولا يستطيع أحد أن يفرط فيها ويقرضها للآخر أيا كان هذا الآخر ضعيفا أو قويا اميرة أو غفيرا"


وقف الأب عاجزا أمام طفله الوحيد وهو مستسلم لملاك الموت غير قادر علي مساعدته بكل ما كان يملك، فقد نفذت كل أرصدته من صكوك السعادة التي كانت في حسابه البنكي منذ لحظات. فقد باع كل رصيده في البنك من صكوك السعادة التي كان يمتلكها في الحاضر وحتي تلك التي اقترضها من حساب الذكريات. اتصل بالبنك فوراً ليقترض بعض لحظات السعادة لحساب ابنه ولو بأعلى فائدة، فالمستشفى تريد الحساب وشراء العلاج ولا تقبل إلا بدفع لحظات السعادة كما نص عليها قانون المعاملات المالية الجديد.


اعتذر البنك عن أي قرض للسعادة ولو بأعلى سعر للفائدة، فقد أصبحت السعادة عملة نادرة وأصبحت البنوك خاوية من أي أرصدة للسعادة. طلب من البنك أن يستبدل القليل من صكوك السعادة مقابل أي عدد من صكوك الأحزان، فهو مستعد لحمل كل أحزان العالم مقابل أن يقترض صك سعادة واحد من أجل علاج ابنه المستسلم منذ اسبوع لملاك الموت.


أخيراً، وافق البنك بسعر الفائدة، خمسة صكوك سعادة يأخذها الأب ليسدد بها حساب المستشفى لابنه مقابل أن يتم تحويل ألف صك حزن إلي حسابه بفائدة سنوية ١٥٪؜. لم يتردد الرجل ووافق علي الفور فحياة ابنه ولو لبضع ساعات تجعله يتحمل أحزان العالم أجمع. وبالفعل تم تحويل صكوك السعادة الخمسة إلي حسابه البنكي، ولكنه علي الفور بدا حزينا بعد أن تحولت صكوك الأحزان إلي حسابه.


بكي الرجل من الحزن، لم يستطع أن يفرح عندما بدأ ابنه يفيق من المرض لأنه لم يعد يمتلك أي صك من السعادة. نظر إلي ابنه بملامح الحزن، وطفله ينظر اليه في تعجب لماذا كل هذا الحزن في عيون وملامح ابيه. لم يدرك الابن أن أبيه اشتري له منذ ثوان قليله سويعات قليلة من السعادة مقابل أن يحمل ألف حزن علي كتفيه. تنهد الأب في فرحة لنجاة ابنه، ولكنه شعر بحسرة كبيرة علي نفسه من عدم قدرته علي الاحساس بالسعادة. ولكن ما باليد حيلة وما للسعادة من حيلة.


فجأة، امتلأت المستشفى بالصياح والهتاف والتكبير. خرج الأب يسأل عما يحدث في الخارج ليفاجئ بأن الدولة وبعد دراسة مستفيضة للواقع قررت أن تلغي قانون المعاملات المالية الذي يعتمد علي تداول عملات صكوك السعادة والأحزان إلي المعاملات المالية المعتادة. لم يصدق الرجل ما سمعه. اتصل فوراً بالبنك ليتأكد من صحة الخبر. وبالفعل أكد البنك صحة الغاء القانون والرجوع إلي المعاملات العادية. حمد الله أن الدولة اعادت المعاملات البيع والشراء إلي ما كانت عليه.


هو يتفهم جيدا السبب الذي دفع الدولة إلي فرض قانون معاملات البيع والشراء الجديد طبقا لما يملكه الأفراد من صكوك سعادة ، يبيعونها مقابل شراء احتياجاتهم اليومية، وان لم تتوفر صكوك السعادة من الحاضر فمن الممكن أن يبيعوا ما لديهم من اوقات سعادة من الماضي حتي ولو اصبحت ذكرياتهم فارغة من السعادة وتحولت إلي أحزان وهموم. وبعد نفاذ رصيد صكوك السعادة من الممكن سمح القانون باقتراض صكوك سعادة من الآخر بعد موافقته .وفي حالة عدم توفر صكوك أو في حالة عدم موافقة صاحبها، سمح القانون بتحويل صكوك هموم واحزان الدائن إلي المدين مقابل صكوك قليلة من السعادة.


نعم الرجل يقدر السبب وراء قيام الدولة بسن هذا القانون والذي كان نتيجة الفروق الشاسعة في درجات السعادة والحزن بين الناس في السنوات الاخيرة بسبب التفاوت المادي الشاسع. وكانت الدولة تعقد الأمل علي القانون الجديد في ضمان تبادل السعادة بين الناس ولكن واضح أن القانون أدي إلي العكس وحدث احتكار للسعادة علي حساب الأحزان حتي أصبح معظم الناس مكتئبين ولو كانوا يمتلكون ملايين الصكوك من السعادة ، فالسعادة لا تكفي لشراء معيشة يوم واحد في هذا الغلاء.


كاد الرجل أن يطير في الهواء من الفرحة، ولكنه لم يستطع أن يعبر عن فرحته فما زال قانون صكوك السعادة والأحزان يسري عليه. ولما ادرك عدم قدرته علي الفرحة طلب من البنك استخدام كل ارصدته المالية بدلا من صكوك السعادة لكي يستطيع أن يعبر عن فرحته لابنه الآن. وبالفعل، قام البنك بتحويل حسابه من عملات السعادة والأحزان الي العملات المالية. وما أن تم التحويل علي حتي انفرجت اسارير الأب وامتلأت ملامحه بالفرحة، وجري نحو ابنه ليقبله ويحضنه ألف حضن.


سأل الابن أبيه، لماذا كل هذا التغيير في ملامحك يا أبي من حزن الي فرحة. رد الأب بحنان تحمله دمعات تساقطت من مقلتيه، لأني ادركت يا بني أن السعادة غالية عند اغني وافقر الناس، ولا يستطيع أحد أن يفرط فيها ويقرضها للآخر أيا كان سوي الأب لابنه.


لم يدرك الطفل الصغير المغزى من كلام ابيه فكل ما يهمه الآن أن أبيه أصبح يبتسم وهو يختبأ في حضنه.


مع خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم

عضو اتحاد كتاب مصر



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة