ورقات قانونيّة.. انضمام العراق لنظام روما الاساسي

أهمية انضمام العراق إلى نظام روما الأساسي هو موضوع مهم وحساس للغاية.. بدايةّ.. المحكمة الجنائية الدولية ونظامها المعتمد في روما بتاريخ ١٧ تموز لسنة ١٩٩٨م، يحتاج إلى انضمام، فقد عرفت اتفاقية فينا لقانون المعاهدات في الفقرة (1/ أ) من مادتها الثانية بقولها: " الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة"، أما عن الهدف المرجو من الانضمام للمعاهدات الدولية هو النفع العام الذي يتحقق من جراء الانضمام إلى هذه المعاهدة، والنظر لمصلحة الدولة العراقية العليا وما يعود عليها بالنفع والايجاب من خلال هذا الانضمام، أنا هنا لا أفسر لك المصطلحات المُعقّدة واشرح كمستشار قانوني بقدر ما اريد ان انشر الوعي المجتمعي بين طلاب القانون والمحاميين والشارع العراقي بشكل عام، واكتب عن أهمية دور العراق في حال قام بالانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما ١٧تموز لسنة ١٩٩٨م.



وعليه فان البحث من الجانب القانوني لكيفية الانضمام—من الناحية الاجرائية- وأحكامه القانونية سواء داخليًا وخارجيًا، وعن معنى “التصديق” والقبول” و “الموافقة” و “الانضمام” وكل هذه المراحل القانونية البحتة فقد كتب فيها العلماء والفقهاء اوراقًا لا تعد ولا تُحصى ولمن أراد ان يستزيد فليرجع إلى كتب استاذنا البروفيسور د. محمد جميل حسين رحمه الله، وإلى اساتذتنا بجامعة القاهرة ا.د جابر جاد نصّار، والفقيه أ.د محمد الجوهري، وعليه فإني سأبين الموقفين الرافض للانضمام والرأي المؤيد للانضمام والذي اميل إليه طبعًا مع ذكر المبررات التي أوافق فيها أصحاب السبق في البحث والكتابة.


وجهة النظر التي ترفض الانضمام العراقي لنظام روما الأساسي، وهي نفس وجهة النظر التي كانت تنتهجها الحكومة العراقية السابقة ما قبل ٢٠٠٣م-حكومة الرئيس السابق صدام حسين-، يعزون الاسباب لسيطرة الدول العظمى وخاصة الدول الخمسة الكبرى مما يؤدي بأي شكل من الاشكال لسيطرة الدول على قرارات المحكمة، لأنها وببساطة دائمة العضوية في مجلس الامن، وبإمكانها اتخاذ القرارات الكبيرة والخطيرة الكبرى حسب الفصل السابع من الميثاق وهو ما يراه البعض خطيرًا جدًا، وبالمحصلة لن يكون هناك سيادة للدولة العراقية ولا استقلال لنظامها القضائي، ويعد تدخل في شؤون البلد.


لا أنكر أنَّ ذلك صحيح، لكن.. الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، والان الوضع اختلف جذريًا.. سياسيًا واجتماعيًا، وعليه لابد من انضمام جمهورية العراق إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فنحن نعاني من جملة من الجرائم التي عصفت بالعراق منذ سقوط بغداد ٢٠٠٣م، وإلى لحظة كتابة هذه السطور، جرائم الحرب، جرائم العدوان، جرائم الابادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، من عدة اطراف، وفي حال عجز النظام القضائي الوطني في الدولة العراقية عن القيام بواجباته المنوطة به، من حيث الاخلال وعدم اتخاذ كل الإجراءات بحق المتهمين والمجرمين والمتسببين بارتكاب الجرائم، أو تبين انها غير صادقة، أو تحت ضغط السلطات وأصحاب النفوذ والجماعات المسلحة، والذين يكونون اكثر من غيرهم أشد واشرس ارتكابا للجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، نبدأ نتجه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

لأهمية الموضوع برز عندي السؤال المهم: لماذا وقع العراق على انضمامه للنظام الأساسي في عام ٢٠٠٥م، في حكومة د. أياد علاوي، بالأحرف الأولى، وبعدها تم سحب التوقيع دون ان تذكر الحكومة المسببات التي أدت للانسحاب؟


وعليه فإنَّ الاتجاه المؤيد والداعم لانضمام جمهورية العراق الى نظام روما الاساس، يحقق فوائد جمة منها

ما يأتي:


أ‌- يدعم مبدأ سيادة القانون الذي يعد لبنة من لبنات بناء دولة القانون والمؤسسات والتي يأتي في مقدمتها مساءلة ومحاسبة من ارتكب الجرائم بحق الشعب العراقي امام تلك المحكمة.

ب‌- يحقق امكانية لمساءلة المسؤولين في الدولة، في حال عدم تمكن القضاء الوطني من ذلك، وبالتالي الحد من التجاوزات والتصرفات المخالفة للقانون.

ت‌- عدم ضياع فرص تحقيق العدالة الجنائية بحق مرتكبي الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، بسبب ضعف بعض اجهزة الدولة، لما لهم من تأثير ونفوذ وسلطة يصعب مواجهتها.

ث‌- يشكل دعماً واسناداً لتعزيز مبدأ استقلالية القضاء، فمن يعتقد افلاته من يد القضاء الجزائي الوطني سيتم مساءلته امام القضاء الجنائي الدولي.

ج‌- دعم وتطبيق مبدأ المساواة امام القانون، وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية او الحصانة كمانع من موانع المسؤولية.

ح‌- عدم افلات أي متهم او مجرم من العقاب، من خلال اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه، وفق مبدأ التكامل في الاختصاص الجنائي الوطني والدولي، فأحدهما يكمل الاخر ويتممه.

خ‌- يعد وسيلة من وسائل تفعيل وتطبيق احكام وقواعد القانون الدولي الانساني في اوقات السلم والحرب، وبالتالي امكانية تحقيق المساءلة عن أي انتهاك لها امام تلك المحكمة.


وعليه لابد من تفعيل عملي و تشكيل لجنة مختصة لغرض دراسة موضوع الانضمام للنظام من عدمه على ان تشكل من ممثلين مختصين من الجهات ذات العلاقة والاختصاص ( رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب، مجلس القضاء الاعلى، ، وزارة الخارجية، وزارة العدل، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة الداخلية، رئاسة الادعاء العام، مجلس الدولة) وتكون برئاسة اشهر واكفأ الاساتذة المختصين في القانون الدولي و الجنائي في العراق، وتضم في عضويتها اساتذة من المختصين في القانون والعلوم السياسية المشهود لهم بالعلمية والكفاءة والنزاهة والاستقلالية.


لا نعتقد ان الحكومة الحالية قادرة على استكمال الاجراءات القانونية الخاصة بالانضمام الى نظام روما الاساس، والواردة في قانون عقد الاتفاقيات رقم (35) لسنة2015، للصعوبات التي تواجهها في ذلك الظروف التي يمر بها البلد، وكونها حكومة تشكلت بشكل استثنائي وجاءت من اجل القيام بمهام محددة ومعروفة، لكن يجب ان تضع الحكومة القادمة نصب اعينها هذا الموضوع وتوليه الاهمية القصوى والاهتمام المطلوب.


وعليه فإنَّ ما يسهل عملية اتخاذ الاجراءات التحقيقية واجراء المحكمات عدم تقادم الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، والموقف نفسه بالنسبة للتشريعات الجنائية التي لم تأخذ بالتقادم كأصل عام، سواء كان تقادم دعوى ام تقادم عقوبة، نعتقد أنَّ الانضمام لنظام روما يفعل حماية الامن المائي للعراق من خلال امكانية مساءلة المتسبب بالإخلال بأمنه المائي عن احدى صور جرائم الابادة الجماعية الواردة في المادة (6) وبالتحديد الفقرة(ج) منها.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصعب ثائر جسملة | Musaab Thair

تدوينات ذات صلة