هل حاولت قراءة نفسية المنتفعين و المستفيدين ؟! لربما لن يستطيع الشيطان ان يحيا دون ان يجد لنفسه مبررات لشرورة .

في صباح بارد كبرودة هذا الصباح ، جلس على كرسيه الهزاز ممسكا بقهوته المعتادة " فنجان كبير بدون سكر " طالبًا الدفء من فنجانه . كان يتمنى حينها ان يختبئ داخل نفسة من البرد .

نظرة واحدة متأمله من فوق كرسيه المطل على شرفته الى نفسه لم تكن كافيه ابدا لتقييم حياته لكنه لطالما أنشغل بهذة الفكرة كانت تباغته من حيث لا يريد .

ذاكرته تسعفه جيدا في تلك الامور انه يتذكر جيدا حديث امه التي أخبرته كيف كانت تسمعه يبكي في بطنها و كيف انها فزعت حين سمعت بكاؤه و كيف ان جدتها أخبرتها ان من يبكي في رحم أمه سيكون شخص بليد غير قادر على الحب.

شعر بصدقها الان فقط بعد كل تلك السنين و بعد ابنائة العشرون من زيجاته الكثيرة التي لم يشعر خلال أي منها بأكثر من لذة لقاء ﻻ أكثر .

ربما ﻻ يحتاج المرء الى كل تلك الأموال التي جناها فبعد حين تصبح الاموال مجرد اوراق مكدسة أو ذهب مخزن كتجار الخردة الذين يحتفظون بطشوت النحاس في مخازن املا في ارتفاع أسعارها.

و لكنه لن يتردد ابداً ان ينتهز الفرصة ليجمع المزيد و المزيد .

فالقيمة الحقيقية للاموال هي القوة و ما تمثله من سلطه .

مر القطار خارج سور حديقته شعر بأن هذا القطار هو أخوة الذي لم تلدة امه . طبعا هو من ادخل القطارات الى بلدته لتسيير تجارته . لكنة لم يشعر بالتشابه بينة وبين هذا الوحش الذي يتغذي على الفحم قبل هذه اللحظة

فكلاهما من حديد و كلاهما لا يندفع للامام الا بنيران الحقد و الغضب .

ان كلاهما ﻻ يهتم ﻷي شئ فكلاهما اختار طريقا و كلاهما لن ينحرف عنه حتى لو داسا في طريقهما أي شئ.

يبدو أن جدة امه كانت على حق حتى انه تذكر انه حينما قامت الحرب الاهلية كيف ضغط زناد مسدسه في رأس صديق عمرة بدون ادنى تردد فقط ليثبت لقادة الحزب انه يمكن ان يكون الة قتل لخدمة الحزب و أهدافه .

لم يشعر بالاسف حتى على صديقه فهو المخطئ من قد يصادق شخص بليد .

إرتشف من قهوته ذات طعم الصدأ المحبب الى نفسه ، و استلذ بحرارتها الشديدة ، فلربما كل ماتبقى له هو تلذذه بشعور الألم فقط ليتأكد انه لا زال حياً ، لازال على قيد الحياة .

لطالما شعر بعدم جدوى حياته و كذلك عدم جدوى موته .

فهو لم يحصل من الحياة على الكثير فقط بضع لذات " اكل . شرب. جنس. قتل . سرقة . نصب ".

نعم " القتل ، السرقة ، النصب " من ملذات الحياة بالنسبة لشخص لم تقدم له الحياة الكثير فهو لم يجد يوما حبا صادقا وربما ايضا لم يجد صدقا من الاساس فأمة تمقت أبوة ، وأبوة يتملق مديرة ، ومدرسة يتحرش بزميلته ، وزميلته تصادق ذوي النفوذ ، وذوي النفوذ لن يترددوا للحظه في دهسه ، وعندما كبر لم يستطيع تسيير تجارته دون دفع الرشاوي ولم يستطع ان يربح الا عندما غش ، ولم يستطع الحفاظ على أمواله وتجارته الا عندما انضم للحزب و أصبح أكثر أذرعته طولًا ، بل أصبح هو السلطة والنفوذ و اصبح الحزب انعكاس لسياساته هو ، حتى صديقة ذاك الذي أراد تغيير العالم ، بالطبع لم يكن ليستطيع فهو مجرد أحمق يتغذى على المثاليات في وطن لم يعد به أي مثاليات ، مغفل كيف له ان يغير العالم و هو لا يقدر على تغيير زوج الاحذية الذي اهترأ من كثرة بحثه عن وظيفة تقيه شر الجوع و ما هو أسوأ من الجوع - إتاوة الحزب - فبأي حال لن يقتلك الجوع ، لكن بالطبع قد يقتلك رجال الحزب بكل سهولة إذا لم تسلمهم ما يريدونه على الفور ، لذلك كان يجب تخليص العالم من حماقاته على الفور .

صديقه التافه هذا لم يكن ثائر ، لم يكن شيئا على الاطلاق ، الثائر الحقيقي هو من يستطيع ان يطعن الحياة في ظهرها و يرقص على جثتها .

و لقد رقص على جثتها الاف المرات و لم تستطع لمرة ان ترد له الطعنة .

لم يطل التفكير طويلا -أي شخص لم يكن ليتصرف أفضل من ذلك- أخيراً أراح رأسه للوراء و ربما تيقن للمرة الاولى انه لم يكن مخطيء على الاطلاق .

الان و الان فقط يستطيع أن يرقد في سلام أخيراً لينعم بمكافأة الرب على حياتة المضنية التي قضاها كما كان يجب أن يقضيها .





إقرأ المزيد من تدوينات محمد الجمل

تدوينات ذات صلة