ثلاثة أبطال لقصة غريبة ترسمها الأُلفة ويحيط بها المرح !
عنوان مثير للاندهاش أليس كذلك! أعلم أنه ليس من طراز العناوين التي اعتدناها أنا وأنت ولم أكتبه بعد الانتهاء من خط المسودة كاملة كعادتي.. في الواقع أنا لم أخط مسودة له أبدًا ففكرته المجردة راودتني منذ مايقرب عام كامل لا أذكر التاريخ بالتحديد لكنني أعرف أنني كتبتها كاختصار في مكان ما لذا انتظرني بضع دقائق لأتأكد من صحة ذلك وأنظف كوب قهوتي التي نضبت منذ دقائق سريعا وسأعود إليك لأقص عليك ما يعنيه هذا العنوان..
- بالمناسبة إلهام هذه القصة موجود منذ مدة لكن الدافع لكتابتها جاء بعد تكراري لقراءة مقال العراب "أحمد خالد توفيق" -رحمه الله- المعنون باسم "القصاصة ما تزال في جيبي" لذا أدين إليه بالفضل في تحول هذه القصة من مجرد فكرة في أحد زوايا عقلي إلى قصة ذات رأس وذيل يمكن لغيري معرفتها وقراءتها!-
-بلا إطالة أكثر من هذا سأنهض لأنجز ما أخبرتك به وأعود حالا!-
وجدتها!!! ها هي أخيرا بعد ما يقرب العشر دقائق من السفر عبر زمن الذكريات التي أدونها في دفتري الصغير الذي بحجم قبضة اليد الذي يرافقني في كل مكان وفي كل موقف أمر به وجدتها أخيرا!!
كانت خاطرة من اليوم السادس من الشهر الثالث من العام الماضي وكان ذلك يوم "أحد" أي أنه بداية أسبوع دوام جديد روتيني كتبت فيه هذه الخاطرة أثناء استقلالي إحدى مركبات -المواصلات العامة- الغريبة قاصدًا العودة للمنزل بعد انتهاء ذلك الدوام في تمام الثالثة والنصف وبضع دقائق عصرا.. - رباه ما كل هذه التفاصيل! - المهم قد كنت في ذلك اليوم أشعر برضى غريب عن نفسي لا أعرف مصدره -رغم أكل الأرق لليلتي السابقة لذلك اليوم على حد تعبيري في تلك الخاطرة- ولكن ما أعرفه أن ما زاده -الرضى عن نفسي- هي قهوتي الصباحية وكلمات العراب -لا أذكر بحق ماذا كنت قد قرأت له في ذلك اليوم لكن لا عجب فأنا أقرأ كلماته يوميا منذ سنين!- وزاده كذلك ألحان ونبرة صوت السيدة فيروز -لا أعرف أيضا متى بدأت الاستماع إلى مقاطعها لكنه منذ سنين كذلك ولا أظن أنه سيتوقف قريبا فكل مرة استمع فيها إليها يزيد انبهاري بها!- أيا كان لقد طال الحديث حقا ولم أصل بعد لما كنت أبحث عنه من البداية ومُلئت جنبات المقالة بالجمل الأعتراضية!! ها قد وصلنا أخيرا إلى ما بحثت عنه !
لابد أنني أمزح!!
أبعد كل هذا العناء هذا ما كتبته عنها فقط؟!! لا أصدق!!
كنت قد كتبت عنها: " قصة (الطفل والكلب والقبعة) ألهمتني لكن لا مكان لكتابتها هنا لكنها حتما ستكتب" وانتقلت بعد ذلك للحديث عن شيء آخر وهي ردود الأفعال على مقال "عالم الكبار" التي أعادت لي الشغف بالكتابة!!
لا أعرف الآن فيم كنت أفكر وأين كان عقلي حينما أهملت تدوين تلك القصة في نفس الآن الذي رأيتها فيه !؟ لكن لا عليك فأنا أذكرها فقط كنت أظن أنني كتبت شيئًا ذا قيمة عنها في دفتري لكن للاسف خاب ظني.. تعال إذا لأقص عليك ما أذكره منها، على أي حال كان دوري فيها هو المراقب الصامت من بعيد ليس إلا ..
في ذلك اليوم من ثالث أشهر العام وقبل أيام من رحيل الشتاء بالنسبة للحسابات الفلكية التي لم يقبل كبرياؤها -الشتاء- بفرضها عليها فكانت تتصارع مع الحرارة المتسلسلة للجو مع اقتراب أوان الربيع فنجم عن ذلك الصراع ضباب أبيض شفاف يغطي كل ما يحويه العالم من حولك ويغمرك أنت شخصيا فتصير الرؤية عصيبة بمجرد ابتعاد شيء ما عنك لبضع أمتار فقط..
كنت في سبيلي للدوام كعادتي في أولى لحظات النهار التي يغزو في الشوارع أطفال المدارس وفي أعينهم لذة نعاس حارقة لم تبرحها بعد، فيمشون متباطئين شبه غافين حاملين هموم ساعات من الاستماع لمقررات دراسية أثقل بالنسبة لهم من تلك الحقائب العملاقة المستندة إلى ظهورهم وأكتافهم الصغيرة.. كل الأطفال يمشون بنفس الوتيرة المتباطئة تقريبا، الآبية للتصديق أن أمامه أعوام طوال من نفس اليوم المعاد تكراره الذي يصحو فيه منذ بداية اللحظات الأولى للنهار ليذهب للمدرسة التي يمقتها لأنها تسلبه النوم في هذا الجو البارد وفرصة اللهو حينما يزداد الجو دفئا!
كلهم كانوا كذلك ما عدا طفل يمشي بمفرده على بعد مايقرب مترين مني وكان يبدو مستمتعا في مشيته وهو يحرك قبعة يمسك بها في يسراه للخلف وللأمام في مرح غريب على طفل استيقظ للذهاب للمدرسة! وكان الأغرب من هذا هو ما قام به إحدى كلاب الشوارع التي تنتشر في الطرقات في الليل وتبدأ في الاختفاء بالتدريج مع علو مكانة الشمس في سمائها.. من الطرف الآخر من الشارع الذي كنا نسير فيه أنا والطفل متباعدي المسافة متقاربي نطاق الرؤية تحت الضباب جاء ذاك الكلب الحُر مهرولا نحو الطفل، بالتحديد نحو قبعته التي لا يتوقف عن هزها في مرح! -صراحة أنا إن كنت مكانه وكنت أنا ما استهدفه الكلب بهذه الهرولة لمُلئت رعبا وربما كنت سأفلت القبعة وأولي فرارا!- لكن ذلك الطفل لم يقم بشيء مشابه لهذا بل إنه لم يغير حتى من سرعة مسيره ولا حركة هزه للقبعة والأعجب أن الكلب بدا مستمتعا بدوره بحركة القبعة للخلف والأمام وأصبح يجاور الطفل ويسير بنفس الوتيرة وهو يحاول إدخال رأسه في تجويف القبعة ويثب من آن لآخر محاولا إلتقاطها بفمه، وعندها يستجيب الطفل لحركاته فيعابثه هو الآخر فيزيد من ارتفاع القبعة عن متناول الكلب، ويستمر كليهما في اللهو واللعب لدقائق طوال بألفة غريبة بينهم كأن الطفل هو من قام بتدريب وتعليم الكلب هذه اللعبة منذ كان جرو فاعتادها وأحبها كليهما!
كان الطريق كعادته في أي مكان في شوارع مصر العزيزة ما هو إلا مجموعة من الصعاب التي عليك تخطيها لتصل لوجهتك، لكن حتى تلك الصعاب لم توقف الطفل والكلب عن استكمال لعبة القبعة فكانا يبتعدا ليتخطاها ثم يجتمعان فيلهوان ثم يبتعدان مرة أخرى وهكذا .. حتى وصلا إلى تقاطع الشوارع الرئيسة الذي يخشى عبوره كل طفل -وأنا كذلك - لما فيه من مركبات مسرعات خاصة إن كان الضباب يغمر كل شيء حينها توقفا لبضع لحظات، وبدون النظر يمين يسار عادا لمواصلة المسير واللهو بكل هدوء كما كانا قبل التوقف ، لكني توقفت لأنظر حولي في جميع الاتجاهات وأتأكد أن الطريق آمن للعبور وبعد مايقارب دقيقة تحركت باتجاه الطرف الآخر وأكملت المسير وجُلت بعينيّ في الارجاء بحثا عن الطفل والكلب لكن من الواضح أن تلك الدقيقة وحدها كانت كافية ليذوبا في الضباب ولا أجد لهما أثرا ..
رغم مرور ما يقارب العام على تلك الأحداث إلا أنني كلما تذكرت كيف كانا يلهوان أتعجب لكل هذه الألفة التي كانت بينهما، التي تولدت عنها صداقة تجعلهما يسيران متجاوران مطمئنان هكذا بعضهما لبعض ! وأتعجب أيضا من افتقادي للقدرة على الشعور بألفة سريعة كتلك مع كل من هم حولي حتى بعد مرور عقود على وجودهم في نطاق حياتي ويومي.. غريب! ألا توافقني الرأي في ذلك؟
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
رووووعه