سنجمع سويا عدد من النقاط لنحل بها لغز لعبة من الألاعيب..
آه من هذا الإلهام آه.. عما قريب سيصيبني بالجنون -إن لم أصب به بعد!-، فهذه مرة من النوادر التي بحثت فيها عن فكرة لكتابة مقالة جديدة للمنصة ووجدتها في لحظتها!! والأغرب من ذلك أنني لا استطيع كتابتها على ورق وأكتبها الآن على دفتري الإلكتروني الموجود بهاتفي للمرة الثانية على التوالي! وظلت هذه الفكرة كغيرها من الأفكار ذات الطباع المريبة تظل تتخبط بين لفائف عقلي ولا تصمت ولا تكف عن ذلك التخبط إلا بسكبها على الورق وبين السطور..
دعك الآن من هذا وذاك وتعال لأخبرك بموضوع حديثنا اليوم فهو مقعد متشابك إلى حد ما -هذا الكفايين الكائن بالقهوة سحر حقا فمنذ ساعات قلائل كانت رأسي تدور وسط الكثير من الهراء والتوتر غير المبرر وها قد تبدد كل هذا بكوب قهوة واحد ووهبني هذه الفكرة!- لذا أنصحك أنت أيضا بكوب ممثال أثناء قراءتك لهذا المقال حتى تستطع تفهم النقاط المتشابكة التي سنجول بينها راهنا..
لابد أنك سمعت مسبقا عن ديكارت وعن جملته الأشهر على الإطلاق :"أنا أشك، إذا أنا موجود.." ، لطالما عارضت مبدأه المغلوط منطقيا لأسباب عدة أبسطها (من أنت حتى تشك إن كان الشك هو دليل وجودك؟ كيف قمت باثبات وجودك بشيء يتطلب وجودك من البداية للقيام به!!) لكني الآن أظن أني أفهم مقصده أكثر من ذي قبل ربما كنت أنظر لمبدئه من جهة خاطئة لذا كنت أعارضها .. أحتفظ فقط بهذه النقطة في ذاكرتك لأننا سنحتاج إليها بعد قليل ..
ربما عايشت من قبل شعور غريب يوحي لك بأن الموقف الذي أنت في أواسطه قد سبق لك رؤيته أو عيشه قبل هذه المرة، تلك ظاهرة تعرف باسم Deja-vu/ ديجا-ڤو والتي تعني عند تعريبها من فرنسيتها (تمت رؤيته بالفعل)، يتحدث فيها العلماء المعتمدين على الأشياء الملموسة أكثر من غيرها بأنها تنتج عن استيعاب إحدى فصي المخ للموقف قبل الآخر فينتج هذا الشعور بألفة الموقف رغم عيشه للمرة الأولى، أيا كان لست أفضل من يتحدث علميا عن الأشياء التي يمكن ملاحظتها وقياسها هذه! فلطالما كانت بالنسبة إليّ ذات تفسيرات قاصرة على الحواس البشرية المنقوصة بدورها لذا تكون تفسيرات فاقدة لجزء ما .. جزء ما يكون غالبا هو الأهم.. إحتفظ بهذه النقطة إلى جوار سابقتها فإننا سنحتاج إليها في الأمام..
ظاهرة "E.S.P/ Excessive sensory perception " أو الإدراك الحسي الفائق إذا ما أردنا تعريبها، من الظواهر أيضا التي يصعب على العلماء تفسيرها رغم ثبوت وجودها لدى بعض الناس -لنقل أنها لدى بعضهم فقط مؤقتا حتى نتطرق للنقطة القادمة- ، إن لم تسمع عنها من قبل فهي تشير في بعض الأحيان إلى القدرة على قراءة الأفكار، أو التنبؤ -الدقيق بعض الشيء- بحدث قرب نشوبه، أو السيطرة على الأفكار إن صح التعبير عبر توارد الخواطر أو ما يعرف بالتخاطر التي هي أيضا واحدة من أشكال الإدراك الحسي الفائق.. هذه ستكون نقطتنا الثالثة التي سنستوثق بها حتى نحتاجها.. تلك النقاط مهمة لا تنساها..
حينما ينسدل ستار الظلام في الليل وتنسدل معه غشاوة النعاس اللذيذ فتسنو ثم تغط في سبات عميق فيذوب وعيك ويتسرب لعوالم أخرى، لعوالم ربما لا تعرف عنها أي شيء في واقعك رغم حفظك لأماكنها ولشخوصها عن ظهر قلب في حلمك، ربما حينما تفيق تأخذك أحداث اليوم فتمحو ما رأيت بعين عقلك ، وربما تظل عالقة بإحدى زواياه فتظل تذكره وتتعجب من معرفتك لأماكن ووجوه لم يسبق لك رؤيتها بعينيك اليقظتين أبدا، يصيبك العجب وقد يؤثر هذا أيضا على واقعك بشكل أو بآخر لاحظت ذلك أم لم تلحظ فهو يترك أثر.. تلك العوالم ومستويات الوعي التي تغزوها في أحلامك بلا جهد تبذله هي نقطة أخرى من نقاط نجمعها لنحاول الفهم.. لا تنساها
وأخيرا وليس آخرا، وصلنا إلى آخر النقاط في رحلتنا، رحلة الأعين عبر الكلمات، آخرهم وأهمهم وصاحبة الجواب .. الذاكرة .. هي الرابط بين تلك النقاط الماضية جُلها (الشك، ديجا-ڤو ،الادراك الحسي الفائق ،الأحلام ومستويات الوعي السبع، والذاكرة) هم عبارة عن نقاط وأشياء وظواهر تتشابه رغم اختلافها فلا تستطيع في بعض الأحيان فصلهم كليا عن بعضهم البعض رغم اختلافهم الجذري.
فمثلا عنى ديكارت بمبدأ الشك الخاص به أن قدرتك على الشك هي دليل "وجودك في الواقع"، وهو محق في ذلك فأنت حينما تحلم مثلا لا تشك في وجودك ولا تشك في شيء مطلقا بل إنك تقوم بما تقوم به في الحلم عن دراية كاملة كأنك خلقت لتفعله فقط -بغض النظر عن طبيعة ذلك الفعل كأن ترى نفسك صائدا محترفا في البرية مثلا رغم عدم قدرتك في الواقع على الإمساك بدجاجة حية تبعد عنك بنصف متر مستسلمة وجاهزة للامساك بها!- حينها لا تشك في أي من قدراتك تلك وهذا هو دليل عدم حقيقتها.. دليل وجودك في مستوى آخر من مستويات الوعي غير الواقع..وترتبط الذاكرة بالشك عندما تتذكر أنك لا تعرف الصيد مطلقا في واقعك فيتسرب الشك للحلم وحينها تصحو..
أما بالنسبة لظاهرتي ديجا-ڤو والإدراك الحسي الفائق فهما يعتمدان بشكل كبير على الذاكرة، حيث أن ظاهرة ديجا-ڤو قد تكون نفسها أحد أشكال الإدراك الحسي الفائق حينما تقوم بتنبؤ حدث قرب وقوعه بناء على مجموعة من المعطيات في واقعك فترى بعين عقلك ما سيحدث قبل حدوثه ثم تلعب ذاكرتك بتلك الخبرة فتخفيها لسبب ما تحمله في نفسها فقط، فتشعر بتكراره حينما يتم في الواقع -لكنك تذكر بشكل ضبابي أنك رأيته مسبقا لكنك لا تستطيع إثبات ذلك، ببساطة لأنه دار في عقلك فقط- وكذلك تحدث Deja-vu / ديجا-ڤو.. وبالمناسبة ظاهرة الإدراك الحسي الفائق ليست قدرة خارقة استأثر بها فئة من الناس دون غيرهم كما يُظن، بل هي تقريبا ظاهرة يحياها معظم الناس يوميا -إن لم يكن كلهم- فيحوزون على تلك الإشارات الناجمة عنها، التي إما تجعلهم قادرون على سماع أفكار الآخرين داخل عقولهم -وهي لا تتم بصوت الشخص الآخر كما تظهرها السينما عادة، بل غالبا ما تكون عابرة بالخاطر كغيرها من الأفكار التي يذخر بها العقل- ، وربما يتنبأوا بحدث قريب كما أسلفنا الذكر ، أو ببث أفكارهم ليرد بخاطر الآخر فيفكر فيم يفكر هو، لكن ما يجعلها بارزة لدى البعض دونا عن غيرهم أن ذاكرة البعض تحتفظ بتلك العلامات والإشارات فيستطيعون إدراكها حينما تحدث فتظهر تلك القدرات عليهم، التي يتم رؤيتها على أنها خارقة للعادة رغم شيوعها في الحقيقة لدى الناس..
جزء منها كذلك قد يظهر مرة أخرى في الأحلام في مستويات مختلفة من الوعي عندما تفضل الذاكرة الاحتفاظ بعلاماته وإشاراته في الجزء التابع للاوعي بدلا من الجزء التابع للعقل الواعي، لذا تشعر بتلك الألفة الغريبة في بعض الأحلام..
في النهاية وتبسيطا لكل ما سبق قوله هذا -والذي أعرف يقينا أنه تسبب في إصابتك بالدوار لأنه أصابني بمماثل وأنا أخطه لكل ما فيه من تشابك وتضاد متشابه كانعكاس المرآة- الذاكرة رغم أهيمتها فهي جزء لا يمكن ائتمانه بشكل مطلق أبدا فهي تحوي من الألاعيب ما لا تقدر على حصره أو تخيله، وتستطيع تدميرك لمجرد أنها تمازحك فقط لا غير ! فتغير الحقائق بما يرضي غرورها الملول الثائر بلا سبب معروف، وأقل ما قد تقوم به هو تبديل حقيقة وقائع حدثت في الماضي لتظهر بشكل أفضل مما يكون عليه واقعها فقط لتشعر بأنك أفضل..
ألاعيب الذاكرة لا تنضب، وواحدة منها تناسي الحكم المسبق على مقالة تقرأها ثم إظهاره فجأة لتتهمها بالركاكة والخواء وفلسفتها الفارغة- وهو ما حاولت قدر الإمكان تحاشيه بأن أكتب عنوان هذا المقال "ألاعيب" بلا ذكر الذاكرة نفسها في معظم المقال حتى نصل إلى أوانها الأمثل-.. ومن ألاعيبها أيضا أنها عادة ما تمحو ماتحاول ألا تنساه وأن تذكرك بما تحاول نسيانه فهذا يهبها الكثير من المرح ولا أعرف سببا له سوى التلذذ بتعذيب الشخص ليس إلا وذلك يمكنه إحالة حياته إلى جحيم! بالمعنى الحرفي ولا توجد أي مبالغة في ذلك..
الذاكرة كما هي نعمة فهي في بعض الأحيان تتحول لنقمة، وكذلك النسيان فرغم ما به من سوء إلا أنه ينقذ حياتك حينما يأتي في موضعه المناسب..
ربما قد تقبل فكرة المقال وربما تسخر منها وتمضي، وفي الحالتين ستجدها بشكل أو بآخر في وعيك، من يدري ربما تظهر كأنك فكرتك الأصيلة في وقت من الأوقات وتدافع عنها بصدق لأنها خاصتك.. حذار من التصديق.. فهذه واحدة من ألاعيب الذاكرة!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ماشاءالله ربنا يوفقك يا رب
ما شاء الله عليك يا روحي أحلى واحدة تكتب مقالات ❤️❤️❤️😘