أهدي هذا إلى رجالٍ قضَوا نحبهم وخَلَفت من بعدهم مريم ... إلى مَن تجد في نفسها مريمَ القادمة...
٢٠٠٨ م.
بأيدٍ مضرخة بالدِّماء وشعورٍ بحبلٍ من عجزٍ في جيدها، وقفت مريم ممسكةً بقضبان ، أو هو ما قد خُيّل اليها، قد كذب من قال أنَّ القضبان هي ما صُبَّ مِن حديد ، بل القُضبان أنْ ترى العين ما لا يُدركه المسير .
على الحدود الشّمالية ما بينَ النّاصرة و عكَّا ...وقفتْ... بعد أنْ اجتُثَت مِن مسقط رأسها حيث تقطُن .. حيثُ البدايات ..
شريط حياتها قد دُوِّر على مَرأى مِنها ..بالأبيض والأسود تماماً كما الأفلام الكلاسيكية ...... أوّلُ دميةٍ حصلت عليها ، أُولى أياّمِ الدّراسة، فطائرُ الزعتر اليومية ، حماسُ أبيها أن يقلها يومياً إلى مدرستها وإصراره الدائمِ أن يأخذ بيدها إلى بابها، هدية أبويها في السَّابعة من عُمُرها لأوّل صلاةٍ تؤديها، أوّل حجاب ارتدته ,ولسببٍ ما تجهلُه لمحتْ في خاطرها ترانيم عُرس خالها "رشوا الوسايد بالعطر والحنا, رشوا الوسايد بالعطر والحنا"..... ولكن سرعانَ ما قطع تلاشيَ كينونتها إلى ماضيها ، صوت أجشّ : "أنتِ، تراجعي وإلّا أفرغتُ ما أملك من ذخيرةٍ نحوكِ".
لم يهوّن شيئاً من تمزق إبنتنا إلا أنه قد اجتُثت من فلسطين ...... إلى فلسطين ..
ويعاود شريط الذكرى استرساله أمام ناظرها وفي خلفيته أُنشودتها المفضَّلة التي اعتادت أمُّها وجدَّتها على مدى سنوات غنائها لها قُبيل نومها..وها هي ذا تُنشدها لنفسها...لأوَّل مرة شعرت أنَّ الزّمن قد أخذ جزءاً منها .. أثقلها...لأوَّل مرة شعرت أنها قد كبُرَت ...وبنبرةٍ تسابقها العَبرات أنشدت :
"مدّي ديّاتك يا مريم .... مدّي ديّاتك يا هي
نادي خيَّاتك يا مريم.... نادي خيَّاتك يا هي
كُومي تانحطب يا مريم ... كُومي تانحطب يا هي
حنَّاكي مرطّب يا مريم... حنَّاكي مرطّب يا هي " *أغنية تراثية.
ثوبُ جدّتي-رحمها الله-
تموز ، ٢٠٠٧ م.
كلما استحكمتْ حلقاتها و الأغلال في أعناقها والسلاسل يُسحَبون ... ترى كل ما نُسِب تحت الحُكم العربيّ يُلقي بأقلامه ...ليس ليكفُلَ مريم ... بل ليلقيَ أوزاراً لا هم له بها في الدَّرك الأسفل ، أو إنْ لزم الأمر يشجب ويستنكر .
يا مَرْيمُ لَقَد جئتِ شَيْئاً فريَّاً .....
ممسكة بقضبان, غير أنها من حديدٍ كما تجري العادة, رنَّ في أذنيّ أُختنا صوتُ مطرقتهِ وأصدرَ القاضي حُكم محكمته, يتطاير من عينيه شرار صهيونيته كما هي أعينُ مستشاريه .... قائلاً بملءِ فِيه : يا مريمُ لقد جئت شيئاً فريَّاً. لتُسلَّمَ مريمُنا قرارَ الحبس الإنفرادي لشهرين من الزَّمن يتبعهُ قرار الإبعاد عن النَّاصرة.
على مَدى عُصورَ وأقاليمَ جُغرافيةٍ حتى الديكتاتورية منها , جلس قضاة ومستشارون على مَقاعد مِن خشبٍ -كما تستحضر ُصُورُنا الذهنيةُ- وقد خُطَّ على لوح يعلو رؤوسَهُم : "العدلُ أساسُ الملكِ," Adalat mülkün temelidir "," court of justice" ..... كلُّ ذلك ضِمن محكمةٍ ضمن بقعةٍ جغرافيةٍ ضمنَ بلدةٍ ضمن دولةٍ.
أمّا هنا يا سيدي فضمن اللامحكمة ضمن اللادولة......
يتبع.......
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
💕👏
رائعة 💕