"أفضل التفكير في العزلة، وأسوأُ ما يكون في الزحام "
هذا ما قاله العالم الشهير -توماس أديسون- وهذا ما حاكَ في خاطري بالكتابة عن الخلوة.
عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في ساعاتِ صفاءٍ مع نفسه واختلاءٍ بذاته ممارسًا ما حُبِّب إليه -صلى الله عليه وسلم- وخلوته بأفكاره وتخيّلاته في غار حِراء قُبيل البعثة؛ عندما كان -عليه الصلاة والسلام- يتحنَّثُ في الغارِ وكان لتلك الخلوة الأهمية الكُبرى على حياته وبعثته. غير أنها كانت البدايات للوحي في أثناء خلوته مع نفسه -صلى الله عليه وسلم- والتفكُّر والتدبُّر في آلاءِ الله تعالى وبدائعَ خلقه -عزّ وجلّ- ولم يكُ ذلك ابتداعًا منه -صلى الله عليه وسلم- بل كانت العُزلة والخلوة عادةً من عاداتِ قريش المُتأصِّلة عندهم ولكن:
لِمَ لا نسألُ أنفسنا في يوم من الأيام ما السرُّ في ذلك؟
وما أهمية تلك العادة عندهم؟
إذا نظرنا الى جانبٍ آخر، -بعيدًا عن الجانب الدينِيّ- هناكَ منَ الشُّعراء والفلاسفة والمفكرين والعظماء لم نجد أحدًا منهم يعيش من غير خلوة وعزلة؛
فالعزلةُ تعني مراجعة المخزون العقلي وما فيه من معلوماتٍ لإيجاد الحلول المناسبة لكل مشكلة.
وفي هذا قال الغزالي- رحمة الله عليه-:
قيل لبعض الحكماء ما الذي أرادوا بالخلوة واختيار العُزلة؟ فقال: يستدعون بذلك دوامَ الفكرة وتثبيتِ العلومِ في قلوبهم؛ ليحيوا حياة طيبة ويذوقوا حلاوة المعرفة
دعني أُخبرك بأنه هو الحل المناسب والوسيلة الوحيدة للنجاة من معمعةِ المعاركِ الصغيرة في العالم الجُوّاني، وللتخلص من تلك الصراعاتِ التي فيه وإن قلتَ لي -مُجادلًا-:
أنا لا أعيش في صراعٍ. إذن؛ فهي السبيلُ لتهذيب النفس، لطالما اعتدتُ أنا واعتدنا جميعًا على اكتسابِ العاداتِ السيئة التي وصلنا بها إلى السذاجة واللامُبالاة حتى أصبحتْ جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية بل وأصبحت عُقدةً مُحكِمة؛ تكمنُ في صميم شخصيتنا وأنفسنا لا طاقة لنا بالإقلاعِ عنا، ومع مرور الوقتِ ستجدُ نفسكَ أمام الكثير من العُقُد؛ فبعزلتكَ تلك بعيدًا عن الأشخاص، التكنولوحيا، والأولاد. بعيدًا كلّ البعدِ عن أي أمرٍ كنتَ متعلِّقًا به لبُرهةٍ من الزمن تستطيع أن تتخلص وتُفكِّك تلك العُقَد بتدريبُ النفس على فقدان ما اعتادت عليه.
وأما بالنسبةِ لروحكَ المشحونة بمُزرياتِ الحياة ومصاعبِها؛ ستتصارحُ معها بعزلتك، وتبحثُ جادًّا عن إجابةٍ لكُل سؤالٍ متروك، وكل جوابٍ مفقودُ، ستحاول الإجابة عن كُل ما تركته جانبًا هاربًا منه ومن مواجهته، وستقفُ أمام الحقيقة المُجرَّدة وستضعُ فيها القرارَ السديد، الذي ستأخذه بذهنٍ صافٍ وروحٍ مطمئِنِّة مُطهّرةً مُتخلِّصًا من تلك الشوائب المُستعصية التي كانت لديك، وستضع نقاطًا لحروفكَ بكل ثقة وكل جِديّة وبكل حِنكة وانضباط، دون ترددٍ أو اختلاط ودون أي شيء يُحاكُ في روحكَ المبعثَرة التائهة التي أذَّتْها الذنوب و أضعفَتها المواقف.!
امنحْ نفسكَ هذا الإصلاح وهذا السلام الداخلي بتنظيمٍ دقيق، تكتب في صفحةٍ بيضاءٍ تُرتِّبُ فيها أسلوبك في الحياة فقط بتكّة ٍمن تكاتِ الساعة ..!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
آسيا أبو حطب 💛أصبتِ في انتقائك من المقال عزيزتي
قيل لبعض الحكماء ما الذي أرادوا بالخلوة واختيار العُزلة؟ فقال: يستدعون بذلك دوامَ الفكرة وتثبيتِ العلومِ في قلوبهم؛ ليحيوا حياة طيبة ويذوقوا حلاوة المعرفة
محمدنور الظريف شكرًا لمرورك 💛