قصة قصيرة من 3 فصول عن حقوق الحيوان لكن بشكل خيالى ممزوج بثقافة مصر القديمة.
إستيقظت الكلبة على رائحة زهور اللوتس لتجد نفسها هى وجراويها الخمسة فى حديقة جميلة مليئة بالأشجار والزهور والعشب الأخضر الكثيف وعلى مقربة منهم كان يوجد بركة صغيرة يَصب فيها شلالاً جميلاً من صنع الألهة، وجعلت المياه المنحدرة من ذلك الشلال الجو رطباً لطيفاً يبعث على الهدوء.
أخذت الكلبة تنظر حولها متعجبة كيف وصلت إلى هذا المكان وقبل أن تمضى لحظة، ظهرت أمامهم إمرأة ذات رأس قطة ترتدى فستان أبيض من الكتان فعَرفت الكلبة على الفور أنها باستت، إلهة الحيوانات وحاميتهم. ركعت باستت على ركبتيها وإحتضنتهم ورحبت بهم فسألتها الكلبة بإستغراب:
"أين نحن؟ وما هذا المكان الجميل؟"
إبتسمت باستت وأجابتها: "أنتم فى آرو، جنة الخُلد والنعيم."
عندئذ فهمت الكلبة أن أرواحهم غادرت أجسادهم وعبرت بهم إلى العالم الأخر فنظرت إلى باستت وقالت:
"إذا،ً كان هذا الطعام الذى أكلناه مسموماً، وهو السبب فى مجيئنا إلى هنا، أليس كذلك؟"
أدمعت عينا باستت ثم هزت رأسها موافقة.
طاطأت الكلبة رأسها ولَحست جراويها لتطمئن عليهم ثم قالت بأسى:
"لماذا يكرهنا البشر إلى هذا الحد؟! ... ما الذى فعلناه لهم؟! لقد كنت فقط أبحث عن طعام لى ولأطفالى، لماذا يُعذبوننا هكذا؟!" قالت الكلبة هذا ثم أجهشت فى البكاء.
بَكت باستت هى الإخرى وإحتضنت الكلبة مرة ثانية وأجابتها:
"إنهم وحوش! قد تعفنت قلوبهم بالقسوة!"
بَكت الكلبة فى حِضن باستت قليلاً ثم حررت نفسها ونظرت فى عينيّ باستت وقالت وهى مازالت تبكى:
"لقد كان أصعب شىء فى الأمر برُمته هو أننى ظللت أشاهد أطفالى وهم يصرخون ويبكون من الألم ولا أستطيع أن أفعل لهم شيئاً! .. لماذا لم تحمينا منهم يا باستت؟ ألستى أمنا جميعاً؟"
أدمعت عينا باستت ثانية فقد سددت تلك الكلمة، كلمة ’’أم’’، سهماً موجعاً فى قلبها فقد كانت هى الإلهة التى خلقت جميع الحيوانات وأحبتهم حباً جماً، حب الأم لأبنائها، لكن ومن أجل المهلة التى أعطتها الألهة للبشر كى يتوبوا قبل أن تفعل هى أو أى من الألهة الإخرى أى شىء لمعاقبتهم، لم تستطع حماية الحيوانات من البشر، ولكنها عزمت على تغيير ذلك وعزمت على الإنتقام فقد كانت هذه هى المرة الخامسة فى إسبوع واحد التى يُعذب فيها البشر حيوان وتذهب روحه سدى نتيجة لذلك وقد طفح الكيل بها!
فإحتضنت باستت الكلبة لمرة ثالثة وأحكمت ذراعيها حولها هذه المرة لتحاول التهدئة من روعها ثم قالت:
"أنا حقاً آسفة ياعزيزتى، لكن لا تقلقى، سوف أنتقم لكى ولصغارك ولكل من سبقكوكى." وسكتت برهة ثم أكملت بلهجة عازمة على الإنتقام، محولةً نظرها إلى بوابة آرو التى تخرج منها نحو الأرض: "سوف أجعلهم يدفعون الثمن غالياً!"
وأرادت باستت أن تُنسى الكلبة وصغارها ماحدث لهم فرَبتّت على رأسها وقالت: "لكن هيا، دعيكى من هذا، أنتى فى آرو الأن،" ثم أشارت إلى البركة القريبة وتابعت: "إشربوا بعض الماء من هذه البركة لتهدئوا فهى مُعَدة خصيصاً لتهدئة الأرواح التى وصلت للتو إلى آرو."
شربت الكلبة وجراويها من ماء البركة ونفضوا عنهم وهل ما حدث لهم ثم أخذتهم باستت فى جولة لتُريهم آرو التى أصبحت موطنهم الجديد وأعطتهم منزلاً جميلاً مبنياً من الحجر وبه حديقة خاصة به وبركة للشرب وألعاب كثيرة من أجل الصغار وأمهم أيضاً. وتمتعت الكلبة وصغارها بنعيم آرو حيث وجدوا من الجميع الحب والعطف اللذان عَوضاهم عن كل ما قاسوه وعانوه فى حياتهم على الأرض.
***
وبعدما إستقرت الكلبة وجراويها فى منزلهم الجديد، ذهبت باستت مباشرة إلى حجرة الحكم فى قصر ’رع’ الواقع أقصى شرق آرو ودعت جميع الألهة عبر التخاطر الذهنى إلى الإجتماع فى تلك الحجرة فترك كل منهم ما كان يفعله وجاء ليحضر الإجتماع.
جلس الألهة على طاولة طويلة فى غرفة الحكم والتى كانوا يجتمعون عليها لتقرير الأمور المصيرية وكان دائماً يرأس تلك الإجتماعات الإلة رع فقد كان رع إلهاً بهيئة رجل قوى البنية ذا رأس صقر وفوق رأسه قرص متوهج باللون الأصفر الفاتح مماثل لقرص الشمس، وكان مهوب وعظيم جداً،هيبة وعظمة تليق به كإلة للشمس وخالق للكون وسيد للألهة جميعاً!
بدأ رع الإجتماع وقال: "حسناً، أنتم تعلمون أنه قد إجتمعنا اليوم بُناءً على رغبة باستت فى معاقبة البشر من أجل إسائتهم معاملة الحيوانات وتعذيبها. فماذا تَرون؟"
إندفعت باستت إلى الحديث وقالت بسرعة بلهجة غاضبة: "أولاً، على أن أقول أنهم أصبحوا وقحين جداً ويعاملون الحيوانات كأنها كائنات أقل مكانة منهم، هذه إهانة كبيرة لى ولن أسكت عليها لحظة واحدة بعد الأن!"
"حسناً، حسناً ياباستت، أتفهم ذلك. " طمأنها رع بصوت رزين ليُهدئها ويؤكد لها أنه يستمع لها ويأخذ كلامها بعين الإعتبار.
وقال إله أخر بهيئة رجل يحمل على رأسه إوزة: "وأنا أيضاً على أن أقول أن كوكب الأرض يشتكى مر الشكوى منهم بسبب ما يفعلوه به غير مهتمين لشىء سوى المال! إنهم لا يهينون باستت فقط بل يهينونى ويهينوننا جميعاً!" كان هذا الإله ’جِب’ إله الأرض.
فقالت ’ماعت’، إلهة الحق والعدل ذات ريشة النعام فوق تاجها: "الحقيقة هى أن تمهلنا عليهم جعلهم يستفحلون أكثر ويزدادون سوءً."
"أوافق ماعت فى هذا، لقد أصبحوا مثيرون للإشمئزاز جداً! فقد تركوا عبادتنا ومبادىء الحب والرحمة التى علمناهم إياها وعبدوا شهواتهم الأنانية ظانين أنهم فوق باقى المخلوقات وأن لهم الحق فى فعل ما يريدون بالكوكب وبمن عليه! ... ليس هذا ما نريده على الإطلاق." قال هذا ’توت’، إله الحكمة ذا رأس طائر أبو منجل والذى كان دائماً ممسكاً بلفافة بردى فى إحدى يديه وقلم فى الإخرى لكى يدون مايحدث ويُسجل كل شىء تقرره الألهة.
وأضافت باستت: " لن تتحقق إرادتنا فى أن يعيش البشر مع باقى المخلوقات فى وئام وإنسجام –إلا- إذا ذاقوا عواقب أفعالهم."
فكر رع فيما قالته باستت والألهة الإخرى للحظة ثم قام عن كُرسيه ووضع كفيه على الطاولة وسألهم:
"إذاً... هل توافقون باستت أنه يجب أن ننهى المهلة ونبدأ عقابهم الآن؟"
أجابه الجميع بنعم واحداً تلو الأخر فأضاف: "وأنا أيضاً أرى ذلك." ثم نظر بعينى الصقر الثاقبتين خاصته إلى باستت التى كانت على يساره وقال لها بحزم: "أريهم غضب الألهة ياباستت... لكى مطلق الحرية فى معاقبتهم كيفما تشائين."
أحنت باستت رأسها إحتراماً لرع ثم قامت لتُنفذ أمره. فسارت عبر الطاولة الطويلة بينما فتحت كفها الأيسر فى الهواء ليظهر صولجانها الذهبى فأحكمت قبضتها عليه وخرجت من الغرفة. وكانت عيناها الصفراوين تتوهجان كلهيب نار وسط وجهها الأسود وتُنذِران بشر مُبين!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات