وهناك العشرات من القوانين والإجراءات التي لو شاركَ في سنِّها واتخاذها فئات أشمل من المجتمع لما احتوّت تمييزًا ضد باقي الفئات في المجتمع.


لا بُدَّ أنكَ سمعت يومًا عن التمييز العنصري، أو اختبرت شكلًا من أشكاله بطريقةٍ أو بأخرى، مقصودًا كانَ أم غيرَ مقصود. سواءَ كان من قِبل سائق حافلة يريد أن يكسب المزيد من المال من خلال "قوم يا شب وقعدلي هالصبية" أو في مكان عمل يفضّل توظيف فتاة عزباء بدلًا من المتزوجة، أو في مؤسسة تدفع للمرأة راتبًا أقلَّ من الرجل في الوظيفة ذاتها والكفاءة عينها. ولولا وجود قوانين رادعة للتمييز العنصري في غالبية الدول، لرُبما رأينا العجب العُجاب من قرارات بشرية غير موضوعية خاضعة للأهواء الشخصية والتصوّرات المُسبقة.


ماذا لو تركنا أمرَ اتخاذ القرارات هذه للذكاء الاصطناعي بدلًا من البشر؟! هل ستنتهي مشكلة التمييز؟


في عام 2014 بدأ خبراء التعلم الآلي في شركة أمازون، بالعمل على تطوير أداة ذكاء اصطناعي تجريبية لتحلَّ محل الموظف المسؤول عن فرز طلبات التوظيف، ببساطة يقوم مبدأ عملها على تحليل السيّر الذاتية للمتقدمين، وتقييم الطلبات برقم ما بين 1 و 5 واختيار أفضل المرشحين لهذه الوظيفة.


ومع حلول عام 2015 أدركَ المطورون لهذه الأداة أنها لا تُقيّم السّيَر الذاتية للوظائف التقنية، مثل وظيفة مطوّري البرامج (Software developers) بطريقة حياديّة؛ بل تُمايز بينَ الرجال والنساء، وتقوم بتقييم طلبات التوظيف التي تحوي كلمة "نساء/ Women" بتقييمات منخفضة جدًا وتقوم أيضًا بتخفيض تقييم المرشحات اللواتي درسنَ في جامعات للنساء فقط.


ولم تكن تجربة أمازون هي التجربة الوحيدة التي أصبحَ فيها الذكاء الاصطناعي عنصريًا؛ ففي عام 2016 اختبرت شركة مايكروسوفت حادثةً شبيهة بعدَ 24 ساعة من إطلاق بوت الذكاء الاصطناعي على تويتر (Chat bot) الذي يهدف لمحاورة مستخدمي تويتر بطريقة ذكية وكوميدية؛ وانتهى به الأمر بالرد على المستخدمين بتغريدات عنصرية مليئة بالكراهية والتمييز والإهانة.


فهل يُعقل أنَّ البشر نقلوا آفة العنصرية للآلة؟! ليسَ تمامًا؛ أدوات الذكاء الاصطناعي تُعلِّم نفسها بنفسها من خلال ما يُعرف بتعلُم الآلة (Machine learning) بناءً على البيانات التي تتلقاها من المطوّرين لها. ففي حالة أمازون تلقَّت أداة الذكاء الاصطناعي البيانات من سِيَر ذاتية لموظفين سابقين خلال آخر 10 أعوام، وبناءً على ذلك علّمت نفسها أنَّ المُرشّح الأمثل للوظائف يُشبه المرشحين السابقين، والذين كانوا في معظمهم رجالًا لا نساء، فافترضت أنَّ المرشح الأمثل لن يكون امرأة. أمَّا في حالة مايكروسوفت، فإنَّ البيانات التي تلقَّاها البوت كانت بيانات عامة لمحادثات موجودة أصلًا على الإنترنت، ولكنها بالمعظم محادثات جدليّة لا حوارات عقلانية، وفيها كان المستخدمون يُهاجمونَ بعضهم وينعتون بعضهم بأوصاف عنصرية.


ما قامت به أداة الذكاء الاصطناعي في شركتي أمازون ومايكروسوفت، هو تمييز عنصري لكنه غير مقصود، وجاءَ من سيطرة الرجال على الوظائف في المجال التكنولوجي على مدار سنوات طويلة في أمازون، ومن الحوارات المحصورة في أفق ضيّق في حالة مايكروسوفت. هذا التمييز يتكرر بصوَر مختلفة عندَما تنخرط مجموعة متشابهة من البشر في مجال واحد دونَ وجود تنوّع في الفئات المشاركة ووجهات النظر.


عندما تسُن فئة معينة من البشر قوانين دونَ مشاركة باقي فئات المجتمع أو بمشاركة صُوريّة؛ سينتُج بالطبع قوانين لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة واحتياجات باقي الفئات. حيث إنَّ مشاركة النساء، والرجال، والشباب، وذوي الإعاقة وفئات المجتمع كلّها في أشكال الحياة كافة هي ضرورة قُصوى لتجنُّب أي نوع من أنواع التمييز المقصود أو غير المقصود.


على سبيل المثال يختبر ذوو الإعاقة تمييزًا في البلاد العربية بشكل خاص، ففي الأردن مثلاً وحسَب دائرة الإحصاءات العامة بلغت نسبة انتشار الإعاقة بين السكان الذين تتراوح أعمارهم من خمس سنوات فأكثر 11.2% أي ما يُقارب مليون ومئتي ألف مواطن، وفي الوقت ذاته فإنَّ نسبة المنشآت المهيأة لذوي الإعاقة 2% من المباني كلّها في المملكة حسب المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة. ويُعدّ هذا الأمر -وغيره الكثير- من الأسباب التي تؤدي إلى تهميش وإقصاء ذوي الإعاقة في المجتمع وعزلهم، ولا يمكن أن تُحل مشاكل هذه الفئة الكبيرة إلا بمشاركتهم في صنع القرار في نواحي الحياة كافة، حيث لم تُصمم المُنشآت لتناسب ذوي الإعاقة لأنهم بالأصل لم يكونوا مشمولين في عمليتي التخطيط واتخاذ القرار.


ولو تحدثنا عن قلة مشاركة النساء في اتخاذ القرارات وسنّ القوانين نجد أن هذه الحالة أنتجت قوانين تعسفية ظالمة لا تأخذ احتياجات النساء بالصورة المناسبة. فلو أرادت امرأة متزوجة في الأردن أن تستخرج بدل فاقد لجواز سفرِّها في النصف الأول من عام 2021 لرفضَ الموظف المُعاملة بحجة عدم وجود تصريح من الزوج. وقد واجهت الناشطة آلاء حمدان موقفًا شبيهًا في دائرة الأحوال المدنية في عمّان في الثالث عشر من تمّوز من العام نفسه. وبناءً على ما حدث قامت المحامية سلمى النمس بالتواصل مع الأحوال المدنية وتم إصدار كتاب رسمي موجّه للجنة الوطنية لشؤون المرأة وصدور تعميم رقم 43 لعام 2021 والذي ينصّ على أنَّ إصدار جواز سفر بدل فاقد للأنثى لا يتطلب موافقة أو حضور الزوج أو ولي الأمر طالما أتمّت 18 عامًا، وأكدت الأحوال المدنية أن هذا الإجراء غير رسمي من الأساس.


وهناك العشرات من القوانين والإجراءات التي لو شاركَ في سنِّها واتخاذها فئات أشمل من المجتمع لما احتوّت تمييزًا ضد باقي الفئات في المجتمع.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تسنيم معابره

تدوينات ذات صلة