لماذا نلوم الضحية؟ ونسأل عن لباسها وأفعالها ووقت خروجها؟
عُدَّت القاهرة أخطر مدينة على النساء في عام 2018 حيث وصلت نسبة التحرش بين الفتيات اللواتي تترواح أعمارهنَّ بين 17 و28؛ إلى 90% حسب تقرير مؤسسة "تومسون رويترز"، وهي أعلى نسبة في العالم العربي. وجاءت المغرب في المرتبة الثانية بنسبة 89%. أما في الأردن فوصلت نسبة التحرش بالنساء إلى 55%. هل تراودَ إلى ذهنك عزيزي القارئ بعدَ هذه الأرقام؛ السؤال الذي يرافق كلمة "تحرش" دائمًا؛ ألا وهو "شو كانت لابسة؟"
في عام 2014 في الولايات المتحدة أقيم معرض متنقل تحت عنوان " ماذا كنت ترتدي؟ What Were You Wearing " في جامعة أركنساس والذي احتوى على أزياء مُعاد تصميمها كانَ يرتديها أشخاص لحظة تعرضهم للاعتداء الجنسي. تنقلَّ المعرض في عدة مدن على مدار سنوات وانتهى في عام 2020 في مدينة نيويورك. وفي عام 2018 في بروكسل- بلجيكا، أقيم معرض" مُشابه بعنوان "هل هذا خطأي - Is it My Fault".
في المعرض ملابس تخص أشخاص من كافة الفئات العمرية؛ نساء ورجال وأطفال ومراهقين، فساتين بلون الزهور، جينز وقميص، ملابس محتشمة تغطي كل أجزاء الجسد، فساتين لطالبات في الثانوية وملابس عسكرية. ردًا على السؤال الذي يُوَجه لكل ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي والذي يلوم ضمنياً الضحية بسبب ما ارتدته من ملابس لحظة وقوع الحادثة.
ظاهرة التحرش والاعتداء الجنسي هي ظاهرة عالمية تؤرق البشر في كل مكان، خوفاً على أنفسهم وعلى من يحبون. وكرَّسّت العديد من الدراسات البحثية جهودها لفهم الأسباب التي تدفع أي شخص إلى الاعتداء على الآخر وإيذاءه. وفي مقال بحثي بعنوان " سيكولوجية التحرش الجنسي - The Psychology of Sexual Harassment)؛ يفسر التحرش من منظور اجتماعي ثقافي جندري، بأنه عاقبة من عواقب تحديد الأدوار الاجتماعية للذكر والأنثى؛ بما يمنح الرجل هيمنة وسيطرة أكبر، ويعمل على تشييء المرأة والنظر إليها كغرض جنسي (Sexual Objectification of Women) بالإضافة إلى الموافقة المجتمعية على العنف ضد المرأة.
وهذا المقال البحثي هو واحد من عشرات المقالات والأبحاث والدراسات التي تبحث في سيكولوجية التحرش وأسبابه ودوافعه وكلها تؤكد أنه لا علاقة بينَ التعرض للتحرش وبين الملابس.
ذكرَ تقرير مؤسسة "تومسون رويترز" أيضاً، نسب التحرش بالرجال والتي بلغت في القاهرة 27%، وفي المغرب 16%، أما في الأردن فالنسبة هي 11%.
فلماذا إذن نلوم الضحية؟ ونسأل عن لباسها وأفعالها ووقت خروجها؟
يُفسر علم النفس الاجتماعي ذلك إستناداً إلى مجموعة من التحيُزات النفسية التي تؤثر على نظرتنا وحُكمنا على الأمور ومنها:
خطأ الإسناد الأساسي أو خطأ الإحالة الأساسي ( Fundamental Attribution Error):
الذي يعني أن الإنسان يميل إلى تفسير سلوكه بطريقة تختلف عن تفسير سلوك غيره. فيفسر سلوكه بناءًا على عوامل خارجية، بينما يفسر سلوك غيره بناءًا على عوامل داخلية وشخصية مع إهمال المتغيرات الخارجية. مثلًا في حالة الرسوب في الاختبارات المدرسية، يُفسر الشخص رسوبه بأنَّ الأسئلة لم تكن من ضمن المنهاج الدراسي، أو لأنَّ الغرفة الصفية كانت غير مهيئة للامتحانات. لكنهُ يُفسر رسوب غيره بأنَّه لم يبذل جُهدًا كافيًا لاجتياز الاختبار. وفي حالات التحرش الجنسي، يعمد الشخص إلى لوم الضحية عِوَضًا عن لوم المُجرم.
إنحياز الإدراك المتأخر ( Hindsight Bias )
عند الحديث عن حوادث حصلت في الماضي، يميل الإنسان إلى الاعتقاد بأنه كان يستطيع التنبؤ بها وتوقع حصولها من خلال الانتباه إلى الإشارات التي تسبقها؛ وبالتالي تفادي وقوعها. وهذا الإنحياز يجعل الإنسان يعتقد أن ضحية أي جريمة أو حادث -ومن ضمنها حوادث الاعتداءات الجنسية- كان يجب أن تتوقع ما سيحدث لها وأن تتجنبه.
فرضية العالم العادل أو مغالطة العالم الافتراضي (Just-World Phenomenon)
نميل إلى لوم الضحية لأننا نود أن نصدق أن العالم الذي نعيش فيه هو عالم عادل وجيد، ونرفض تصديق أن مثل هذه الحوادث البشعة قد تحدث لنا أو لأحبائنا يومًا ما؛ لهذا نعتقد أنَّ من يتعرض لحادث مُشابه، كان يستطيع تجنب ما حصل من خلال تغيير طريقة اللباس أو التحدث أو التصرفات.
في العالم العربي، يأخذ الموضوع بعداً إضافياً، فنحن نعتقد أننا مجتمعات فاضلة، وأفضل من غيرنا. وفي اللحظة التي نتحدث فيها عن حوادث مؤلمة مثل التحرش، يمٌس هذا الحديث وتراً حساساً ويشوِّه نظرتنا لأنفسنا، فنميل إلى لوم الضحية حتى نُحافظ على صورتنا الذاتية اللامعة بعيداً عن الجرائم والحوادث التي " ليست من قيمنا" والتي " لا تمت لمجتعنا بصلة". ونجد أن غالبية النقاشات حول موضوع التحرش تدور حولَ اللباس الساتر ودوره المزعوم في حماية النساء، والتركيز على هذا الجانب دونَ غيره في كل مرة يطرَح موضوع التحرش، يسحب الانتباه من القضية الأساسية.
كل من يُعرِّض غيرهُ للأذى يجب أن يُعاقب، وكُل من يتعرَّض للأذى يجب أن يتلقى الدعم والمساندة لا اللوم والتشكيك. يأتي هذا من خلال كسر الأدوار المجتمعية التي حددت دور الرجل والمرأة ومنحت ضمنياً للرجل هيمنة وسلطة لا تتوافق مع العدالة المجتمعية. ومن خلال قوانين عادلة وسياسات سلسلة توفر الحماية والدعم لمن يتعرّض للأذى وتشجعهم على التبليغ عمّا أصابهم دونَ وصمهم مجتمعياً ودونَ لومهم ولو من خلال سؤال " شو كنتي لابسة؟".
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات