"سوف يتم تأريخ الأحداث العالمية بناء علي ما قبل وما بعد تكنولوجيا "الميتافيرس."


كان الله في عَون جيلي الذي ولد في الستينات ولم يجد حوله أي تكنولوجيا، سوي تليفون العمدة لو استطاع أحدنا أن يقترب من دوار العمدة، ثم أراد الله لنا البقاء حتي نعيش الكل التكنولوجيا من تليفونات وسيارات وطائرات وكمبيوترات حتي وصلت بنا التكنولوجيا إلي عصر "الميتافيرس" Metaverse وهو دمج عالم الواقع مع العالم الافتراضي لنعيش في عالم افتراضي بأدوات الواقع أو عالم الواقع بتكنولوجيا العالم الافتراضي.


فبعد أن أطلق رجل الأعمال مارك زوكر ببرج وصاحب شركة الفيسبوك مشروعه العملاق الذي يسميه ميتا فيرس "أي ما وراء الكون"، حتي انشغل العالم بهذه التكنولوجيا الرهيبة والتي لم ستقلب أسلوب الحياة في الكون رأساً علي عقب. فمن خلال هذه التكنولوجيا يستطيع أي شخص أن يختار لنفسه شخصية افتراضية سواء تشبهه أو تشبه شخص آخر يعرفه حتى لو كان مات من سنوات ثم يتقمص هذه الشخصية ليدخل العالم الافتراضي الموجود به أفراد آخرون اختاروا لأنفسهم الشخصيات التي قرروا العيش بها.


ويتم دخول هذا العالم الافتراضي بأدوات الواقع من خلال نظارة معينة وقفازات (جوانتي) خاصة وبدلة خاصة. يرتدي الشخص هذه الأدوات ثم يقف أو يجلس في مساحة صغيرة لا تزيد عن متر في أي مكان يرغبه ليبدأ في دخول العالم الآخر ليقابل هناك الأشخاص الأخرى ليشاركهم حياتهم الافتراضية من حيث التخيل ولكنه سوف يسمع ويري ويحس ويشم كل شيء في هذا المكان والزمان الافتراضي. تستطيع أن تتحدث معهم وتتمشي معهم في شوارع تختارها وزمان تختاره وتستطيع أن تقود طائرة أو سيارة أحدث موديل في شوارع نيويورك أو باريس أو طوكيو.


شعور مذهل أن تختار شكلك ولونك وطولك وعرضك وعمرك في عالم "الميتافيرس" والذي تختار أيضا فيه الزمان والمكان الذي تريد العيش فيه ثم نوعية الناس التي تريد أن تعيش معها سواء رجال أو نساء والعمر الذي ترغبه والجنس واللون واللياقة وكل ما تهفو اليه نفسك من تخيلات ورغبات لم تستطع فعلها في الواقع من قبل. عالم مذهل تحدد فيه ماذا تريد ومع من تريد ثم تعيشه وتحسه وكأنه هو الواقع ثم تتفاعل معه وكأنك انسان آخر اختار تصميمه بنفسه.


ولكي تستطيع دخول عالم "الميتافيرس" لا بد أن يكون لك قاعدة بيانات كاملة مسجلة في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي وغالبا سيفشل الناس الفيسبوك. حتى من توفاه الله من خمسون عاما من اقاربك أي قبل أن يعرف الناس الفيسبوك تستطيع أن تنشأ له حساباً على الفيسبوك باسمه تضع فيه كل معلوماته وصوره وهواياته.


ومن خلال هذه الصفحة يستطيع تكنولوجيا "الميتافيرس" أن تصنع له شخصية افتراضية وتقابلها في هذا العالم وتتحدث إليها وتحتسي معها القهوة وتلعب معها الشطرنج أو "الكوتشينة" أو كرة القدم إذا أحببت. وبذلك تستطيع أن تبعث من مات افتراضيا لتراه في صورة "هولوجرام" تشبهه تماما في الشكل والطول والعرض والعمر والهندام. وعليك أن تتخيل كم عدد الحسابات الجديدة الفيسبوك التي سوف تُنشأ على الفيسبوك للموتى وكم المكاسب لشركة مارك زوكر.


عندما تطورت التكنولوجيا وتحولت علي سبيل المثال من تليفون لاسلكي إلي تليفون محمول به الكاميرا والكمبيوتر والتليفزيون والراديو والألعاب والقاموس وآلام متر وجهاز قياس الضغط والبوصلة والخريطة المسموعة والمرئية والتسوق وغيرها، كنت أتسائل ماذا بقي لجيلي أن يري من تقدم تكنولوجي فوق كل ذلك. وكنت أتسائل أيضا، ماذا تنتظر الأجيال القادمة من تكنولوجيا تستطيع أن تتفوق بها على أجيال الشباب الحالية.


كنت لا أستطيع الوصول إلى تصور محدد وإن كان تخيلاتي لا تزيد عن اختراع محرك صغير بدون صوت نستطيع به الطيران أو تستطيع به السيارة أن تطير، أو تصنيع شريحة نستطيع من خلالها أن نستدعي الأشياء علي هيئة "هولوجرام" سواء كان شاشة تليفزيون أو عربية أو شاشة عرض أو لاب توب لنتعامل معها مباشرة. ولكن لم أتصور أبدا أن نعيش الواقع في عالم افتراضي نحدده نحن أو عالم واقعي فيه كل ما نفترضه.


من المؤكد أن عالم "الميتافيرس" له فوائده في التدريب والمحاكاة والسياحة الافتراضية وتحقيق الأحلام المستحيلة والتعارف المباشر ولقاء الأحبة، إلا أن له آثار جانبية هائلة تتعلق بسيكولوجية الجيل الذي مطلوب من أن يعيش حياتين واحدة واقعية والأخير افتراضية بما بينهما من فارق هائل في المعيشة والرغبات.


وبالطبع قد يؤدي ذلك إلى انفصام في الشخصية والإصابة بالاكتئاب وعدم الرضا والتمرد والتنمر على كل شيء يراه في العالم الافتراضي ويعيشه ولكنه مسلوب الأيدي أمامه في عالم ف الواقع. هذا بالطبع إلى تسريب معلومات متعلقة بالأمن القومي وسهولة التأثير على الجيل كله بأفكار محددة وهادفة لغرض ما.


وحتى وقت قريب، كنت أظن أن الزخرفة والزينة للأرض المشار اليها في الآية الكريمة "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) يونس:24, هي البنيات العالية من ابراج ناطحات السحاب الدوارة مثل زهرة عباد الشمس والتكنولوجيا الهائلة في كل مناحي الحياة.


ولكني الآن أري أن الأرض مازالت تزداد في الزينة والزخرفة كأحد علامات الساعة التي تنذر بقيام القيامة لتنهي هذا العالم قبل أن يتحول فيه الناس إلي روبوت بفعل العقل الذي أودعه الله للإنسان والذي استطاع أن يوظفه بلا حدود حتي لو استغرق منه ٢٠ ألف سنة علي سطح الأرض تعاقبت فيها الأجيال لتطور التكنولوجيا عبر العصور حتي وصلنا إلي عالم "الميتافيرس".


وبغض النظر عن المميزات والعيوب، فهو عالم سوف يدخله أطفالنا وشبابنا شئنا أم أبينا تماما كما دخلوا بقوة عالم التواصل الاجتماعي الافتراضي بأنواعه بما فيه من ألعاب في منتهي الخطورة الجسدية والنفسية والعقائدية. ولا بد من اعداد جيل قادر علي التصدي والتعامل مع هذه التكنولوجيا بمهنية عالية ولا بد أن يكن هذا الإعداد في قادرة لا تزيد عن ٥ سنوات.


عالم "الميتافيرس" عالم مخيف وسوف يتم تأريخ الأحداث العالمية بناء علي ما قبل وما بعد تكنولوجيا "الميتافيرس علي أرض الواقع.


خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة