إنَّ كلَّ ما يُشاع عن عدم مقدرة المرأة على استلام المناصب القيادية هو مجرد خرافات واهية،


مع دخولنا في العقد الثاني من الألفية الثانية، وبالتزامن مع النموِّ التكنولوجي المتسارع، لم يعد للشهادات الجامعية أهمية كبيرة كما كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأصبح صاحب المهارات المشحوذة قادرًا على أن يؤمّنَ منصبًا مرموقًا في شركات عالمية، وأن يضمنَ حياة يملؤها الرخاء الاقتصادي. ولا يقتصر هذا على أصحاب المهارات التقنية، بل المهارات الشخصية أيضًا، مثل مهارات القيادة، وحلّ المشكلات، واتخاذ القرارات والذكاء العاطفي، فحسب مجلة فوربس أكثر 10 مهارات مطلوبة في سوق العمل هي مهارات شخصية وتتضمن - على سبيل الذكر لا الحصر - التفكير النقدي، وعقلية النموّ والتعلم المستمر.

يمكن أن نتعلم المهارات التقنية بالقراءة والدراسة والتجربة وارتياد الصفوف، لكن ماذا عن المهارات الشخصية مثل القيادة، فهل يولد القادة؟ أم يُصنعون؟


حسب شركة التحليلات العالمية جالوب ( Gallup ) فإنَ 10% فقط من البشر هم قادة بالفطرة، أما الباقي يكتسبونَ مهارات القيادة من خلال الممارسة والخبرة والتوجيه. وحسب دراسة أجرتها جامعة إلينوي لفهم مدى تأثير الجينات على صفات القادة مقابل تأثير المهارات المكتسبة، فإنَ الجينات تؤثر بمقدار 30% بينما تؤثر المهارات المكتسبة بنسبة 70%. وخلاصة الدراسات والإحصاءات والأبحاث أنَّ المهارات القيادية، يمكن اكتسابها.


وبما أنَّ المهارات القيادية يمكن اكتسابها، فلماذا إذن عندما نتحدث عن القادة فإنَّ أول ما يقفز إلى ذهنك صورة رجل ببذلة رسمية وشخصية قوية دوبلوماسية؟ ولماذا تسود فكرة أن "المرأة عاطفية ولا تصلح للقيادة"؟

إذا كنتَ ممن يعتقدون أنَّ النساء لا يصلحنَ لأن يكُنَّ في مناصب قيادية، فبالتأكيد، مرَّ في بالك بعض الأسئلة والاستفسارات التي قد لا تبدو منطقية لك. وإذا كنت ممن يعتقدون العكس، فبالتأكيد، ناقشتَ الكثيرين لتؤيد فكرتك ولرُّبما أقنعتهم أو لم تقنعهم. وفي كل الحالات، وفيما تبقى من هذا المقال، سنعرض بعض المفاهيم والبراهين التي قد تُغير رأيك أو تساعدُك في نقاشك القادم.


من تختار؟

لو خُيّرتَ بين شخصين ليشغلَّ أحدُهما منصب محافظ المنطقة التي تعيش فيها، مع معرفتكَ المسبقة أن الشخص الأول يمتلك الكفاءة والخبرة المطلوبة لهذا المنصب، والثاني لا يملك أي كفاءة أو درايّة بمتطلبات العمل؟

من سيكون خيارك الأول؟ وهل ستغير قرارك إذا علمتَ أنَّ الشخص الأول امرأة والثاني رجل؟ هل ستختار مصلحة منطقتك باختيار الشخص الكفؤ أم ستختار بناءًا على الجنس؟ القرار المنطقي والذكي هو اختيار الشخص الكفؤ بغض النظر عن جنسه. وحسب مركز Pew research center هناك اختلاف طبيعي في أسلوب القيادة بينَ الرجل والمرأة، لكن افتراض أن الرجال أكثر كفاءة غير مبني على حقائق وأرقام، بل مدفوع غالبًا بالتنشئة الاجتماعية التي تفترض أن الرجل أكثر قدرة من المرأة. وتعززت أغلوطة أن الرجال أكثر كفاءة؛ بسبب وجود عدد أكبر من الرجال في المناصب القيادية.

الفجوة بين النساء والرجال في تولي المناصب القيادية العليا هي ظاهرة عالمية، ولها العديد من الأسباب والتفسيرات المجتمعية والتي يمكن حصرها في ثلاث نقاط حسب ما ورد في كتاب "القيادة: بين النظرية والتطبيق" وهي:


الاستثمار في تنمية المهارات: استثمار النساء في التعليم، والتدريب، والتطوير المهني أقل من الرجال؛ لأنَّ النساء عادةً يتحملنَّ واجبات أكثر من الرجال في المنزل وهنَّ المسؤولات عادَة عن تربية الأطفال. وكثرة الواجبات تدفع العديد من النساء إلى ترك العمل، بالإضافة إلى أنهن يقمنَّ عادةً بالاستفادة بشكل كامل من العطلات والميزات المتاحة في بيئة العمل، وهذا يقلل من فرصهن في الوصول إلى المناصب العليا.


الاختلاف في طبيعة القيادة بين الرجل والمرأة: يتم اختيار الرجال لشغل المناصب القيادية العُليا بصورة أكبر من النساء، حيثُ يظن غالبية الناس أن النساء أقل فاعلية من الرجال في القيادة، ومع أن الدراسات أثبتت أن هذا غير صحيح، وأنَّ الاختلاف الموجود لا يجعل من أسلوب أحد الجنسين أفضل من الآخر، إلا أن هذه النظرة نابعة من عوامل اجتماعية وأحكام مسبقة.


التمييز في أماكن العمل: لا تزال قوانين العمل غير منصفة للمرأة على المستوى العالمي، حيث تتعرض النساء لأشكال مختلفة من التمييز تشمَل الفجوة في الأجور، والترقية، وإتاحة فرص التطور المهني وغيرها. أشكال التمييز المختلفة تُنفِر النساء من العمل ومن السعي للوصول إلى المناصب القيادية. في الأردن أظهرَّ التقرير الإحصائي السنوي لعام 2019 أن الفجوة في الأجور بين الجنسين تبلغ 14.6%، حيث يكسب الرجل أكثر من المرأة بمقدار 14.6% في نفس الوظيفة مع ذات المؤهلات.


عاطفة المرأة واتخاذ القرارات:

دائماً ما تقفز حجة "عاطفة المرأة" عندَ الحديث عن قدرتها على تولِّي المناصب القيادية، في محاولة لإثبات أنها غير قادرة على اتخاذ قرارات منطقية، وفي هذه الافتراض مغالطتان هما؛ افتراض أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل، وأنَّ قراراتها تصبح غير مدروسة بسبب عاطفتها.

في دراستين مستقلتين، الأولى أجرتها عالمة الأعصاب الإدراكية في جامعة جنوب كاليفورنيا؛ مارا ماثر (Mara Mather) والثانية أجراها عالم الأعصاب في جامعة رادبود في هولندا، ورود فان دن بوس ( Ruud van den Bos ). وُجِدَّ أنَّه عند التعرض للضغط وطلب اتخاذ قرارت مهمة، يميل الرجال إلى المخاطرة أكثر ويركزون على الربح النهائي حتى لو كانت فرصة الحصول عليه ضئيلة جدًا. مع أنهم قد لا يتخذون ذات القرار بدون التعرض للضغط.

وعندَ تعريض النساء لذات الموقف، يملنَّ إلى استغراق وقت أطول في التفكير وتقييم الحالات الطارئة، وركزت النساء في الدراستين على النتائج المضمونة التي يمكن تحقيقها، حتى لو كانت نتائج ضئيلة. باختصار تحت الضغط؛ يميل الرجال للمخاطرة حتى لو لم تكن النتائج مجزية ومضمونة. وتميل النساء إلى أن يصبحنَّ أكثر حذرًا وتيقظًا ويخترنَّ المكاسب المضمونة من الموقف.


هذا يعني أنه علمياً، يعبر الرجال والنساء عن العواطف بطريقة مختلفة، وتختلف حدّة العواطف بينهما، و طبيعة القرار عندَّ التعرض للضغوطات تختلف بين الرجل والمرأة، لكن لا يمكن تفضيل نوع على آخر باعتباره أكثر عقلانية وأفضل للموقف.


صورة أشمل:

عندَ الحديث عن النساء بوصفهنَّ قائدات تأتي الأصوات المعترضة المستنكرة المُطالبة بأن تحافظ المرأة على الدور الذي حدده المُجتمع لها، متناسينَ تمامًا أن القيادة ليست حكرًا على رئاسة الدول أو المناصب المرموقة في الشركات، وإنما مرتبطة بكل نواحي الحياة؛ فالأم مثلًا هي القائد الأول في حياة كل إنسان، وهي التي تحافظ على التوازن الاقتصادي في المنزل بوصفها الشخص المسؤول عن تنظيم المصاريف. والمسؤولة عن تعليم وتربية الأطفال، والحفاظ على توازنهم النفسي الاجتماعي. فتخيل معي لو أن الأم لا تمتلك الصفات القيادية؟ ولا تستطيع ضبط سير الأمور في نطاق المنزل؟


وبعد كل ما سبق نصل إلى أنَّ المهارات القيادية مكتسبة، وأن النساء والرجال كلاهما يمتلك العاطفة ولا أسلوب أفضل من الآخر في اتخاذ القرارات. ولا فرق جوهري يجعل من الرجال قادةً أفضل أو أكثر كفاءة من النساء. لماذا إذاً التصقت بالمرأة صفة العاطفة وبالرجل صفة الحكمة والقدرة على القيادة؟

ولماذا ننسى أو نتناسى مئات النساء العظيمات اللواتي غيرنَّ مجرى التاريخ بوصفهن قائدات بارزات ومحركات للتغيير في مجتمعاتهن؟


إنَّ كلَّ ما يُشاع عن عدم مقدرة المرأة على استلام المناصب القيادية هو مجرد خرافات واهية، ولهذا دور كبير في التربية والبيئة والأفكار التي تزرع في رأس الإنسان منذ الصغر، فمنذُ الأزل يُزرع في رؤوس النساء أنهنَّ لن يستلمنَ المناصب القيادية، ولهذا عليهنَ ألا يشغلن أنفسهن بالتفكير في مثل هذه الأمور، أما الرجل فيتربى على أنه سيكون يومًا في موقع يتطلب منه أن يتخذ قرارت مهمة؛ فالرجل يُربى على أنه قائد، والمرأة على أنها تابعة لا أكثر.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تسنيم معابره

تدوينات ذات صلة