إن الإبداع والابتكار في كثير من الأحيان هو وسيلة الوحيدة لتحرر المرأة ضد كل القيود التي قد تضعها المجتمعات في وجهها

، لأنها بهم تمارس حريتها وبهم تثبت جدارتها وقدرتها في كل المجالات وعلى كل المستويات، وبهم تواجه أولئك الذين يرفضون هذه الحرية ويقفون في وجهها لكي تبقى مقيدة مكبلة غير قادرة على أي شيء إلا الخنوع، وغير قادرة على ممارسة حياتها المشروعة بحرية، إن الروح التي تمتلئ بالإبداع كافية لصنع الحرية، سئلت "كوليت خوري" الشاعرة والأديبة والروائية السورية لماذا تكتبين؟ أجابت "إني أصرخ على الورق" كأنها تريد القول أنني أصرخ لأثبت حقي في الوجود، وليس فقط في البقاء. فأن تعيشي هذا أمر بيد الله لأنه هو الذي يمنحك استمرارية البقاء، ولكن أن تثبتي وجودك بإيجابية، فهذا أيضا بأمر الله لكنه يحتاج منك قدر كبير من الإبداع مع المعاناة والصبر والعناد والاصرار على احترام عقلك ووجودك، وهنا تأتي معاناة الكثير من النساء في مجالات عدة، خاصة في مجالات العلمية والتكنولوجية والابتكار لإثبات ذاتهن، من خلال مزاحمة الرجال في هذه الرقعة التي ظلت أمداً طويلاً حكراً عليهم.

وبالرغم أن تجارب المرأة في العالم عامة والعالم العربي خاصة تثبت قدراتها على الابتكار والريادة في قطاعات كانت تعتبر صعبة عليها أو خاصة بالرجال، إلا إنها مازالت تعاني الكثير لتقنع المجتمع بقدراتها غير المحدودة. وفي تاريخنا العربي، بل في جميع تاريخ العالم كان للمرأة دور فعال في المجتمع، كانت منهن من أثرت في العلم وأثرت في الحكم وأثرت في السياسة وأثرت في المجتمع ككل إيجابيا. أي أنها أثبتت جدارتها في شتّى المجالات المهنية إلى جانب دورها الأساسي كأمّ. وهناك الكثير من الاختراعات والإنجازات التي قامت بها المرأة وأثبتت من خلالها ذكاءها وتميزها، لكن معظمنا لا يعرفها، لأنه وبساطة لا توجد بالشكل الكافي أعمال فنية أو إعلامية أو مواد تربوية تركز على دور المرأة العربية المبتكرة بشكل موسع وصحيح وواضح.

كما وإنه وللأسف هناك عقيدة مجتمعية موروثة من العادات القديمة بتفوق الذكور في مجال الابتكارات، خاصة في مجال العلوم البحتة والتطبيقية والتكنولوجية، بالرغم أن الدراسات المتعلقة باختبارات الذكاء تؤكد أنه لا يوجد فارق يُذكر بين متوسط ذكاء النساء والرجال، وأن الاعتقاد هذا سببه التنشئة والنظرة الاجتماعية. إذ لا يعترف المجتمع في كثير من الاحيان بقدرات المرأة ولا يتقبل تميزها ويشكك فيما تنجزه من أعمال ابتكارية. كما أن الأسرة تقوم بتربية وتنشئة وتعليم الولد على أساس أنه “يستطيع”، وتركز على تنشئته ليكون عالماً، أو مخترعاً، أو مهندساً، أو طبيباً، أو قيادياً بارزاً، بينما لا تربى البنت على هذا الأساس أبداً، بل على العكس، تتم تنشئتها على أنها “لا” تستطيع، وأنها إن استطاعت فستكون مجرد عدد إضافي لا فرداً متميزاً. ومما يزيد الأمر سوءاً هو أن تربى البنت على أساس أن تميزها إنما ينحصر في شكلها وإجادتها لأعمال المنزل، وأنها عندما تكبر فإن أقصى ما يجب أن تطمح إليه هو أن تكون جميلة الوجه والقوام وأن تحظى بالاقتران بزوج غني أو مميز في عمله وإنجاب أطفال!

وما زاد الامر سوء، أنه تم دمج أيديولوجيات اجتماعية وسياسية مع النصوص الدينية بشكل عفوي أو متعمد، ليظهر فكر هدام صار فيه التحريم والاستنكار هو الأصل في كل نشاط إبداعي، وكل نشاط تقوم به المرأة خاصة خارج دورها الاجتماعي التقليدي كزوجة وأم ومسئولة عن أعمال المنزل هو أمر مكروه، بل ويتم تحريمه في بعض الأحيان، وهذا أبعد ما يكون عن ديننا الحنيف!!!

مع أن واقع الأمر هو أنه لا توجد نصوص دينية تقيد حرية المرأة الإبداعية بالشكل الذي يشرعنه البعض دينياً. فالإسلام دين يدعو للإبداع ويحفزه ويشجعه ويكافئ عليه أيضاً، لأن الإبداع مثله مثل أي نشاط انساني مثمر، عبادة عظيمة إذا سعى المسلم في تحصيلها طلباً لرضوان الله وخدمة الإنسانية. وعلى النقيض مما ينادي به المتشددين في تأويل النصوص، فإن حبس المرأة وتقييد حرياتها وإخضاعها لوصاية الذكور يتنافى مع ما كفله لها الإسلام من حقوق، فالمرأة في منظور الإسلام فرد كامل الأهلية لها حقوق وعليها مسئوليات، وحقوقها ليس المقصود بها الحقوق الإنسانية والمدنية العامة فقط، وإنما حقها في اختيار دراستها وعملها وزوجها، بل أيضاً حقها في المشاركة السياسية انتخاباً وترشيحاً. إذن فكل تلك الممارسات التمييزية ضد المبدعين والمفكرين إناثاً وذكوراً والتي تنسب عادة إلى الدين ماهي إلا تمثيلٌ لعقلية المجتمعات الرافضة للاختلاف، وقصوراً متراكماً في فهم النصوص الدينية.

لهذا فإن قلة انتاج المرأة الابتكاري لاسيما الابتكار العلمي ليست بسبب نقص ما في قدراتها العقلية، بل سببها فكر مجتمعي و تربية اسرية خاطئة، ولن يكتمل بناء مجتمع حضاري، طالما هناك من يتعمد وضع العراقيل، وبناء السدود أمام المرأة المبتكرة، إن دعم المرأة في مجال الابتكار بحاجة إلى إعادة النظر في وضع الإناث في المجتمع ابتداءً من التربية والتنشئة في البيت والمدرسة، مروراً بمناهج التعليم غير المحفزة للتفكير الإبداعي، والمواد الإعلامية التي تصور الأنثى في أدوار سلبية أو سطحية أو استهلاكية أو استعراضية او عفوا مبتذله. وانتهاءً بالمرأة المبتكرة نفسها، وذلك عن طريق تدعيم ثقتها بنفسها والتركيز على الجوانب الإيجابية التي يمكن استغلالها لحفز الذات، حتى تبقى قوية أمام رياح المثبطات المجتمعية فلا تستسلم للإحباط واليأس وتصر على نجاحها، وأن تكون متأكدة أنها لا تحتاج أحد غير الله وعقلها وأنها لن تقوى إلا بعلمها وعملها، وأنها لن تكون جميلة إلا بفكرها، لابدّ من أن ترفع المرأة الواعية صوتها بالابتكار وأن تنشر فكرها المبتكر، وأن تكون قدوتها كل النساء أصحب العقل المميز اللاتي حققن انجازات حقيقية للمجتمع لا أصحاب الشكل المميز، وأن تضع الله فقط نصب عينيها وأن لا تخشي نقد المجتمع، حتي لا تظل تائهة، تبحث عن الربان ليمد يد العون لها وليقود حياتها وحياة اسرتها. نصيحتي لك...كوني مبتكرة كوني أنت الفارس الذي يمد يد العون لكل من حوله وأن تكوني أنت السند للبيت والزوج والأولاد.... فأنت دورك أهم كثير جدا من شكلك!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شكراً على الإلهام ⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة