الحوار الأخير بين فردين يتعمد أحدهما بجهل تجاهل الثاني بينما الثاني يفضي بكامل مكنونه للمرة الأولي والأخيرة.

أنتم كائناتٌ صاخبة، ثرثارون ومُزحمون ومزدحمون، الصمتُ لا يتحقق إلا بسباتِكم، وحتى هذا يتشوش أحياناً بأفكارِكم وذكرياتِكم ومخاوفِكم وخيالِكم.في حركتكم صوت، لأنفاسكم صوت، وبداخلكم ضجيج، ما ينبض، وما يتفاعل، وما يحترق، وما يدور. وهذا كله غير الضجيج المتعمد، ككلامكم وصراخكم وصياحكم وغنائكم ونشازكم وبكائكم وعويلكم ونشيجكم وهمساتكم وهمهماتكم ودندناتكم وموسيقاكم وآلاتكم ... صدقني أنتم الضوضاء ذاتها. تسألني لما لم نتواصل من قبل وكلانا علي نفس الأرضِ منذُ آلاف السنين! كيف ستشعرون بنا ونحن لا مرئيون بأصواتٍ خافتةٍ حولكم، والكائنات المرئية المسموعة حولكم كالحيوانات والطيور وغيرها نادراً ما تعطونها أهتمام، واللا مرئيين الذين تدركون وجودَهم كالجن في الثقافة العربية أو الأشباح والكيانات الغامضة في الثقافات الغربية، تنسون أمرَهم أو تتجاهلونه بمجرد انتهاء الكلامِ في حوارتكم أو كتابكم عنه. حاولنا كثيراً أن نتواصل معكم ولكن أقصى تقدمٍ وصلنا له حين يقارن بأي حديث قصير بين أي منكم يبدو شديد الضآلة، الصمت يربكُكم، بمجرد حدوثه تتوترون لو كنتم مجموعة، ويكون مدعاة لشرودٍ أو تفكيرٍ أو ممارسةِ نشاطٍ بصوتٍ لو كنتم فرادى، ونحن لكي نتواصلَ معكم نحتاج الكثيرَ من الهدوء، نحن كبقية الأمم يتواصل الأفراد فيها يومياً، ولكن بهدوء تمقتونه، نحن لا ماديون، لا مرئيون، مجرد كياناتٍ خفيةٍ ذات موجةٍ صوتيةٍ خافتة، شديدو البراعةِ والتقدمِ بسببكم، تعلمنا الكثيرَ بجواركم، وبوجودكم، ومن علومكم وتجاربكم وإخفاقاتكم قبل نجاحاتِكم وحيواتِكم وموتكم، وقررنا كثيراً مشاركة كل ذلك معكم فهو بفضلكم، ولكن بلا جدوى، الإنسان كائنٌ مغرورٌ لا يرى سوى صالح جنسه، وبرغم اختلافنا معكم في ذلك، إلا أننا لم نمتنع عن معاودة المحاولة للوصول لكم، حتى يئسنا فلم نعد نبالي بكم، حتي اليوم، حين قررت أنا بشكل فردي التجربة للمرة الأخيرة، شعرتُ أن من حقكم أن تعرفوا لماذا تتساقطون هكذا وتفنون في ثوانٍ دون أسباب، نعم نحن السبب فقد سئمنا رفقةً على الأرض تتجاهلنا باستمرار، وسئمنا إزعاجكم، سامحوني لكنكم كائناتٌ مزعجة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شروق إلهامي

تدوينات ذات صلة