مقال فلسفي بسيط عن فهم النفس بتقلباتها من خلال مرآة فنية.
تائه بالداخل
من مميزات الأعمال الفنية - على تنوعها- أنها أحيانا تستطيع التعبير عنا أو عن بعض مشاعرنا خير منا، وتوحيدنا على إحساس واحد حتى لو لم يتماس مع الجميع في نفس الوقت. وهذا ما شعرت به منذ عقد حين تماهيت مع (محمد منير) وقتما شدا بكلمات (جاهين) قائلاً:-
وتماهيت مؤخرا مع (عبد الباسط حمودة) حين غنى بأسى:-
على اختلاف مدارسهما الفنية ومقاماتهما الغنائية والشجن بداخلي.
تأملت في الموقفين لأكتشف أننا رغم تخبطنا في ذواتنا في فترة المراهقة ونحن لانعلم كل شيء في الحياة أو النفس أو المشاعر، إلا إننا - بعد مرور السنوات وتدفق المعلومات وتراكم الخبرة - لم نزد سوى معرفة شجية زادتنا حيرة وتيهاً بداخلنا.
في صغرنا نرغب في كل شيء، جائعون للمعرفة والمتعة، نفتح عيوننا ونرهف آذاننا ونمد ألسنتنا لنذوقَ أكبر قدر ممكن من الموجودات والحسيات. ولكن بعد فترة نتوقف برغبتنا، نكتفي بقدرٍ أقل كثيراً مما طمحنا به قديماً، وذلك لتَشابُهِ الكثيرِ في نظرنا الآن على اختلافهم، اختلافاً سواء كان شديداً أو طفيفاً. نمتليء فنكتفي ونتوقف بعد معرفة محدودية سعتنا نحن.
يسقط قناعنا الذي وضعناه لنختفي به من نفسنا، فنرى كل شيءٍ مجرداً: الحياة، النفس، المصير، فنتوقف عن الاستمتاع بصحبتنا، وندري أننا لا نعرف أنفسنا بحق، أنفسنا التي تتغير من يومٍ ليوم، ومن عِقدٍ لعِقد، ومن تجربةٍ لأخرى، لنقف ونشدو مع (عبد الباسط حمودة): "أنا مش عارفني".
ثم بعد فترة من تجرع مرار فداحة الإختلاف بين أحلامنا القديمة وواقعنا الحالي نهدأ، ننضج، نستسلم تواضعاً، نبتسم بتقبل، ونتسع لإنسانيتنا الرحبة علي صغر إمكانياتنا البشرية، ننظر حولنا ونقبل علي الحياة بنضج وأستقرار، بعد فهمنا لأنفسنا أخيراً .... بعمق.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات