بعد كل هذه العوامل المؤثرة على قرارات البشر، هل من الممكن القول أن مصدر هذه القوانين بشري ؟
"يشرع البشر القوانين لأنهم لا يثقون بغرائزهم".
-إيمانويل كانت
في كتابه (العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري) يتكلم يوفال نوح هراري عن كيفية جعل الناس يؤمنون بنظام معين، أولاً أكدْ دائماً أن النظام الذي يحافظ على المجتمع هو حقيقة موضوعية. ثانياً ثقف الناس بشكل شامل، ذكرهم باستمرار منذ لحظة ميلادهم بمبادىء النظام المتخيل، المتجسدة في أي شيء و كل شيء.
فنحن لا نختار قدومنا إلى الوجود، ولا نختار البيئة التي سوف ننمو فيها، لا نختار أن نولد هندوسيين، أو مسيحيين، أو مسلمين، أو في منطقة حرب أو ضاحية هادئة من الطبقة الوسطى، جوعا أو مرفهين، نحن لا نختار آباءنا، كانوا سعداء أو بائسين مثقفين أو جاهلين، بصحة جيدة أم مرضى، إن المعرفة التي نمتلكها، والمعتقدات التي نمتلكها، والأفكار التي نطورها، والتقاليد التي نتبناها، والفرص التي نتمتع بها، والعمل الذي نقوم به الحياة التي نعيش فيها تعتمد كليا على ميراثنا البيولوجي والبيئة التي نعيش فيها.
لقد ولدنا جميعاً وفوق رؤوسنا هذه السيوف المتدلية خاضعين لجسد، ونفس عادات وتقاليد مجموعتنا ؛غير متكافئين في الصحة والقوة ، في القدرات العقلية وصفات الشخصية ، تحب الطبيعة الاختلاف باعتباره المادة الضرورية للاختيار والتطور.
لا يرغب معظم الناس في تقبل أن هذا النظام يحكم حياتهم، لكن في الواقع يولد كل شخص في نظام سابق له، و تشكل رغباته من الولادة بواسطة أساطير مهيمنة وتصبح رغباتنا الشخصية . حتى ما يعتبره الناس أكثر رغباتهم الشخصية يكون مبرمجة عادة من قبل هذه الأنظمة .
إذا كنت تريد أن تعرف من أنت ولماذا تفكر بالطريقة التي تفكر بها، كما تعتقد أنك تعرف الطريقة التي تفكر بها، تعتقد أنك تفكر. لا تفعل ذلك، أو نادراً جداً. الأفكار أعظم منك، بمعنى ما. أعني ، من النادر جدًا أن تعتقد شيئًا لم يفكر فيه شخص آخر.
فلا توجد طريقة للخروج من هذا النظام إلا بتشريع القوانين لكي نهرب من أسوار سجننا ونركض نحو الحرية فإننا في الواقع نجري باتجاه ساحة أوسع لسجن أكبر .
يقول الكاتب رايان هوليدي في كتابه به فلسفة الاتزان اليومي (Daily Stoic) : "بأنه قد يثير هذا الأمر الحذر. ألا يمكنني أن أثق بحواسي؟! بالطبع يمكنك التفكير في الأمر بهذه الطريقة، أو يمكنك التفكير فيه بطريقة أخرى: لأن حواسنا عادة ما تخطئ، وتصبح عواطفنا مفرطة الحذر و تصوراتنا مفرطة التفاؤل؛ لذا من الأفضل ألا نتسرع بالخروج باستنتاجات عن أي شيء. ويمكننا أن نواكب كل ما نفعله وأن نصبح مدركين لكل شيء يجري من حولنا حتى يمكننا اتخاذ القرارات الصحيحة."
بعد كل هذه العوامل المؤثرة على قرارات البشر، هل من الممكن القول أن مصدر هذه القوانين بشري ؟ أم أن مصدرها غير خاضع لهذه المؤثرات من غرائز، وميول معرفية.. الخ؟
هذا ما أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : "الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء ، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل" .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات