لاتهون أبدا من شأن القوة التدميرية لخطايا التجاهل والإمتناع عن القيام بالفعل المناسب.

حاول العثور على مكان منعزل، وببطء وبهدوء، عد إلى الألف. بدون الإنشغال بأي شيء. بدون أن تجرفك أفكارك .


سيكون الوصول إلى الألف مهمة حتى بدون عوامل تشتيت الانتباه ، لذا ابحث عن مكان خالٍ منها: لا تلفزيون ، لا ألعاب فيديو أو كمبيوتر ، لا هاتف محمول ، لا AirPods ، لا شيء. ركز عقلك وروحك على جلسة واحدة صلبة من السكون. بدون مصادر إلهاء خارجية ، سيكون من الأسهل التركيز على شيء واحد وشيء واحد فقط ، لكن لا تخطئ: عقلك جيد جدًا في خلق المشتتات الخاصة به ، لذا جهز نفسك.


يقول الفيلسوف بليز باسكال "Blaise Pascal": "تعاسة الإنسان كلها تنبع من شيءٍ واحد: عجزه عن المكوث بصمت في حجرته."


إذا كنا لا نستطيع التركيز على الحقيقية المتمثلة في أننا لا يمكن لنا العد حتى الألف من دون إنقطاع أو بدون الإنشغال بأي شيء أو أن ننجرف بأفكارنا و عدم سيطرتنا على عقلنا (إذا كنت لا تصدقني جرب أن لا تفكر بفيل وردي … قل لي بماذا فكرت ؟ فيل وردي صحيح ؟ بالرغم أني قلت لك بأن تقوم بعكس ذلك) ، فكيف يمكننا أن نأمل في أن نفهم ما يجري من حولنا.


في كتابه ١٢ قاعدة للحياة يؤكد الدكتور جوردان ب بيترسون حقيقة محدودية المعرفة البشرية و أن العالم يكون بسيطا فقط عندما تسير الأمور على ما يرام :" من الصعب للغاية أن نفهم الفوضى المتداخلة للواقع بمجرد النظر إليها….. إن كل شيء يتغير و يتحول في عالم الواقع، وكل شيء المفترض أنه مستقل يتكون من أشياء أصغر من المفترض أنها مستقلة بدورها، وفي الوقت نفسه جزءا من أشياء أكبر من المفترض أنها مستقلة. والحدود بينها ليست واضحة أو بديهية على نحو موضوعي…. تتجلى حدود جميع إدراكتنا للأشياء ولأنفسنا عندما يتعطل شيء يمكننا في العادة الإعتماد عليه في عالمنا البسيط."


ثمة قصة أطفال تحمل عنوان" لا يوجد شيء اسمه تنين" للمؤلف جاك كينت. إنها حكاية بسيطة للغاية ظاهريا على الأقل . تحكي القصة عن ولد صغير يدعى بيلي بيكسي، يرى تنينا جالسا على سريره في صباح أحد الأيام، وهو وديع وبحجم قطة المنزل تقريبا. يخبر الولد أمه بشأن التنين، لكنها تخبره أنه لاوجود لشيء اسمه تنين. ويبدأ التنين في النمو وأكل فطائر بيلي. و سرعان ما يشغل التنين حيز البيت بأكمله . تحاول الأم أن تستخدم المكنسة الكهربائية لتنظيف المنزل، لكن ينبغي عليها أن تدخل إلى البيت وتخرج منه عبر النوافذ لأن التنين يملأ المكان، ويستغرقها ذلك وقتا لا نهاية له. ثم يفر التنين بالبيت كله. ويعود والد بيلي إلى البيت ليجد مساحة فارغة المكان الذي اعتاد العيش فيه. يخبره ساعي البريد أين ذهب البيت. يتعقبه الوالد، ويتسلق رأس التنين وعنقه ( اللذان أصبحا يمتدان الآن في الشارع)، ليلحق بزوجته وابنه. لا تزال الأم تصر على أن التنين لا وجود له، لكن بيلي الذي ضاق ذرعا الآن ولم يعد يطيق إنكار أمه يقول بإصرار:((التنين موجود يا أمي)). وعلى الفور يبدأ التنين بالإنكماش وسرعان ما يصبح بحجم قطة مرة أخرى. ويتفق الجميع على أن التنانين بهذا الحجم إما : موجدة و أنها أفضل كثيرا من التنانين العملاقة. وتتسأل الأم بنبرة حزينة، وقد انفتحت عيناها لترى الحقيقة على مضض، لماذا أصبح التنين ضخما للغاية. ويجيبها بيلي بهدوء قائلا :(( ربما أراد أن يكون ملحوظا)) .


يتابع الدكتور جوردان :" لاتهون أبدا من شأن القوة التدميرية لخطايا التجاهل والإمتناع عن القيام بالفعل المناسب."


وكما قال الفيزيائي جون ويلر الذي ساعد على تطوير القنبلة الهيدروجينية، ذات مرة:" كلما زادت مساحة جزيرة معرفتنا، ازداد شاطىء جهلنا اتساعا". ليس هناك شك في أنه مهما كان تأثير COVID-19 على المكان الذي نعيش فيه ، فقد جعل حتى أفضل الناس منا قلقين . فهناك فرصة جيدة أن يكون قريبًا منك. ولن يؤدي أي قدر من الصراخ على التلفزيون إلى التخلص منه. أو شتم أصل الفيروس وإدامة نظريات المؤامرة والتخزين. إنه فقط يصرف انتباهك عن المهام العديدة المطروحة. ولن تغرق رأسك في الرمال وتتظاهر بأنها "ليست بهذا السوء". كل هؤلاء يضيعون وقتك الذي يمكن أن تنفقه في إنقاذ حياتك والآخرين. هذه الأفعال أمثلة على ما أطلق عليه عالم النفس النمساوي ألفرد أدلر -زميل سيجموند فرويد وابن بلده- (اسم أكاذيب الحياة).


والشخص الذي يعيش إحدى "أكاذيب الحياة" هو شخص يحاول التلاعب بالواقع بواسطة الخيال، والأفكار، والأفعال، بحيث يحقق بعض النتائج المرغوبه و المحددة سلفا. لكن لماذا نرفض تحديد المشكلة و التعامل مع المرض (التنين) الموجود في بيتنا، رغم أن تحديدها يمكننا من حلها؟؟ يجيب الدكتور جوردان بيترسون :" لأن تحديد المشكلة يعني الإعتراف بوجودها. لأن تحديد المشكلة يعني أن تسمح لنفسك بمعرفة ما تريد، من نفسك أو من الآخرين، وحينها ستدرك، بدقة ووضوح حين لا تنال ما تريد، وسوف يؤلمك هذا بشدة."


"أول مبدأ هو أنك يجب ألا تخدع نفسك-علما بأنك أسهل شخص يمكن خداعه." ـــ ريتشارد فاينمان


وصفت كاهنة معبد دلفي في اليونان القديمة سقراط بانه أكثر البشر حكمة، لأنه كان يعرف أن ما يعرفه ليس بشيء وكان دائم البحث عن الحقيقة. فلنضع نصب أعيننا حقيقة أن من المستحيل أن يتعلم المرء ما يعتقد أنه يعرفه بالفعل. فلا يمكنك أن تتعلم لو كان لديك اعتقاد أنك تعرف بالفعل. لن تجد الأجوبة لو كنت متغطرسا بشدة وواثقا بنفسك لدرجة تمنعك من طرح الأسئلة. ولا يمكنك أن تتحسن إذا كنت مقتنعا بأنك الأفضل، فتصبح ظلوما جهولا .





saffha/صفحة

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات saffha/صفحة

تدوينات ذات صلة