كيف أصبحت مجتمعات متطرفة فكرية وقيمها مشوهة لهذا الحد؟

بعد تصفح الإنترنت ومراقبة التعليقات تحت أي صورة أو فيديو لفتاة.. دائما ترى التعليقات حول لباس المرأة .. وربط عفة وأخلاق الفتاة بلباسها.

إن بان جزء من ذراعها أو كتفها أو ارتدت ملابس مريحة أو فستان أحبته، فهنا التعليقات تنهال عليها بقذفها وشتمها من الإناث والرجال.

النساء دائما تحت المحهر، والشتم أصبح من سمات المجتمع.

من قبل الرجال ذاتهم الذين يبحثون في محركات البحث طوال الوقت والتلفاز عن الفتيات الجميلات والفتيات اللواتي يتمنين باللاوعي لديهن من الحصول على حريتهن ويحلمن باليوم الذي يمكنهن ارتداء ما يردهن وعيش حياتهن كما يرغبن.

فلا إنسان يحب أن يتم أسره، إلا إذا تم غسل دماغه بطريقة وحشية من قبل العائلة والمحبط واعتاد على العبودية حيث أنه لم يعرف طعم الحرية يوما.


لكن هنا نحتاج أن نطرح سؤالا، متى أصبح المجتمع منغلق فكريا إلى هذا الحد؟

وكيف تحول من انفتاح فكري وثقافي واهتمام بالفن الراقي وحب للموسيقى والجمال وتقدير النساء إلى مجتمعات متطرفة فكريا، ومشوهة أخلاقيا وقيميا؟

وهنا دعني أنوه قبل أن تثور علي عزيزي القارئ

الأخلاق والقيم والحريات لا تكمن في ارتداء تنورة قصيرة أو لباس يكشف الكتفين، ولا الفكرة أن نعمم لباس معين في المجتمعات، كل ما في الأمر .. الأخلاق والقيم تكمن في تقبل الآخر، في أن لا شأن لك بالآخرين، بأنه عليك أن تعي مدى أهمية أن تتوقف عن الفكر العفن الذي تحمله، وتبدأ بتوجيه أسئلة لنفسك ومراجعة أفكارك وأفعالك ومصطلحاتك التي تتفوه بها يوميا.

أن تفرغ عقلك من الهراء الذي يعشش فيه بالأحكام القذرة التي يطلقها المجتمع على الناس بناء على لبسهم أو مأكلهم أو حياتهم.

القيم والأخلاق نؤكد ثانية تكمن في أن شأن لك في حياة الآخرين وتفاصيلها طالما أنه لا يؤذيك.

أن تكون محترما في كلامك وردودك، راقيا في نقاشك وجدالك.

لك كل الحق في أن تقول أحب هذا ولا أحب هذا، ولكن ليس لك الحق لا بالشريعة ولا بالقانون ولا إنسانيا أن تفرض رأيك على الآخر.


نعود لنسأل، متى المجتمعات تغيرت في فكرها من انفتاح فكري وثقافي وتصالح مجتمعي مع النساء خاصة في فترة الخمسينيات والستينيات وحتى أوائل الثمانينيات .. وفي 2022 نحن في أسوء فترة ممكنة ثقافيا وقيميا وأخلاقيا، أين يكمن الشرخ في انقلاب المجتمعات آخر ثلاثين عاما إلى فكر منغلق بتطرف،

متنمر، يجرح الآخرين في كلامه بفخر ودون شعور بأي ذنب حتى، مجتمع يبحث عن التفاهات، يرفض العلم، تارك للكتب والمعرفة، قلبه ممتلئ بالحسد والضغينة، لا تعاضض ولا تآخي بين أفراد العائلة الواحدة فكيف سيكون هناك انتماء لمجتمع كامل أو أرض كاملة وإنسانية واحدة حتى، استمرار في إطلاق أحكام جائرة بحق بعضنا البعض، تخوين، تكفير، قذف بالشرف والأخلاق، تسطيح للأولويات وتعزيز العنف الذي بات جزء من ردود فعل شريحة لا بأس بها في المجتمعات.


نرى في صور الأجداد، الإناث اللواتي يرتدين فساتين وتنانير بشكل طبيعي دون الحكم عليهن بالباطل وقذفهن وتشويه سمعتهن.

نرى الحوار والنقاش والصداقة بين النساء والرجال في الجامعات والمستشفيات والشوارع دون وجود أي فكر رديء مقزز.

النساء كانوا مقاتلات في الميدان بالكعوب العالية مع الرجال.

كانوا قياديات لعمليات مقاومة.

النساء هنّ الفكر والثقافة والمعرفة والرقي والعالمات القويات.

لماذا عدنا إلى ما قبل العصور الوسطى حتى، عدنا لزمن حين كانت المجتمعات تحرق الفتيات بتهمة أنهن "ساحرات" .. لماذا عدنا إلى الحضيض .. بإحراق فتياتنا يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتدميرهن نفسيا، واجتماعيا؟.

لماذا لم يورث الأجداد الأبناء والأحفاد الفكر المتزن المعتدل المتفهم للآخر المحترم للنساء وخصوصيات الآخرين.

كيف حدث هذا الشرخ ؟

لماذا انغمست المجتمعات بفكر متطرف.

يقول لهم الدين أنه يسر .. لكنهم يصرون على تصدير العسر والتجهم المبالغ.

الأديان تدعو الجميع أن تدع الآخرين وشأنهم وما زال الجميع يصر على اتباع دين التطرف

الأديان تنادي بأن لا شأن لك بمعتقدات الآخرين،

كان الإله واضحا حين أعطى لنفسه الحق المطلق في الحكم علينا ومحاسبتنا.

وحده الإله منح نفسه امتلاك مفاتيح الجنة والنار والأعلم بنوايا الجميع وأفعالهم، ويصرون على تقمس دوره.

فكيف تحولنا لمجتمعات متطرفة، كل شخص ينصب نفسه إلها يطلق أحكاما جائرة بحق الجميع.

المضحك المبكي، الجميع هنا يملك مفاتيح الجنة والنار.


اليوم في ظل العولمة، من الطبيعي انفتاح المجتمعات كافة على بعضها، وتداخلها بين بعضها.

من الطبيعي جدا أن تجد طريقة لبس الغرب "الأقوى" مهيمنة على العالم، حتى في أكلها وشربها، قوانينها، وغيرها.

النظام العالمي يتوجه إلى توحيد العالم وتقريبه من بعضه، ليصبح قرية واحدة، نظام عالمي جديد، لذا

تغير الموضة، والتداخل الثقافي بين المجتمعات أصبح واقعا.

التغيرات السريعة التي تحدث اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، حتما سيكون لها أثر ثقافي وقيمي على زماننا،

وفي ذات الوقت، كل دولة لديها الحق في الحفاظ على ثقافتها والاندماج بالآخرين بيسر ولطف.

اختلاط الثقافات يجلب تنوعا وإبداعا وجمالا، ولم يكن من المفترض يوما أن يكون سببا لانحدار قيمي إلى هذا الحد.


لذا، من المفترض احترام سمات العصر الجديد، والسماح للأجيال الجديدة بكتابة قوانينها الجديدة وأسلوب عيش يناسب فكرها، مضمونها، أحلامها، ما تراه صائبا وخاطئا.

علينا دعمهم لعالم منفتح ثقافيا، قائما على العلم والمعرفة، الاحترام، المحاججة والمناظرة القائمة على الأدلة، أن نعود ونحيي الترجمات من الثقافات المختلفة، هذا السبيل للتطور، لرقي الإنسان، وإنقاذه من جحيم جهله.

الجيل الجديد لهم الحق في الثورة على كل ما تم تلقينهم اياه، على غسيل الأدمغة الذي يتعرضون له يوميا، والأقفاص التي يتم سجنهم بها.


أشفق على الأجيال الجديدة التي تتأرجح بين فكر متطرف تم إرغامها على الإيمان به، وبين أسلوب عيش جديد وأحلامهم التي تصل ما بعد عنان السماء .. للأسف يتم برمجتهم على إطلاق أحكام جائرة يتم حشوها في عقولهم، وتربيتهم على الكره والنقد والبغض والاشمئزاز المستمر والرفض التام لكل من يخالفهم في أسلوب حياتهم، أو شكلهم، أو لباسهم، أو فكرهم. ليتحولوا إلى كائنات تهدم كل أمل لها لحياة يسودها السلام.


نعود إذا لنؤكد أن


النوايا السليمة، التعامل الإنساني المبني على الاحترام واللباقة والحوار البناء هو المهم.

وهو السبيل في بناء دول ومجتمعات سليمة نفسيا وثقافيا وعقليا.

بالاحترام والحب .. هكذا تصدر صورة سليمة عن دين السلام واليسر.

غير ذلك أنت تتفوه بلسان الحقد والكره والنبذ والرفض، وهذا لسان الشيطان.

من صفات الشيطان الشتم والقذف.

ومن صفات الإله السلام والحب والاحترام والحوار البنّاء.


يحق لك أن لا يعجبك لباسا أو طريقة حياة معينة، ودورك يكمن باستعراض وجهة نظرك بالحوار فقط. وأقصى ما يحق لك فعله، أن تتجنب ما لا تريده، أن لا تتابع ما لا تحب، أن ترفض سماع ما لا تحب سماعه.

باحترام وإنسانية ويسر وسلام بعيدا عن أي صفات وردود فعل شيطانية وتجريح للآخر.


عزيزي من تحمل فكرا متطرفا، أو تستمر بشتم فتاة كل ذنبها أنها تريد عيش حياتها كما يحلو لها، أو ارتداء ما يعجبها، عليك أن تتوقف لوهلة وتفكر كيف تريد أن تقابل الإله بلسان بذيء كهذا؟ وعقل يملؤه الحقد والكراهية؟ لماذا ترفض الآخرين بهذه الطريقة العنيفة؟ ولماذا تصدر عن نفسك وعائلتك ودينك صورة التطرف الداعشية؟

لماذا تكره الحياة إلى هذا الحد؟


وإن لم تردعك أخلاقك وقيمك "ودينك الرحيم" .. فلن تتغير حال المجتمعات إلا بقوانين صارمة، تغرم وتهذب كل من يتعرض للآخرين بأذى نفسي أو جسدي، على الحكومات ووسائل التواصل الاجتماعي، أن تعمل معا في تنظيم قوانين جديدة صارمة، أكثر وضوحها في منع مثل هذه الإساءات المستمرة، من قال أن القذف وقلة التهذيب حرية ؟

يجب أن يكون هناك رقابة أكبر وتنظيم أكثر وأعظم للفوضى التي تستشري وسائل التواصل الاجتماعي وعقول الناس.

كما للمدارس والعائلات دور في إعادة برمجة ثقافتها .. ولدور العبادة دور في تهذيب منتسبيها بالإتزان والاعتدال.


ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة