وهل يمكن أن نفكر بأن تاريخنا البشري أشبه بمسرحية هزلية؟
نحن ك"بشر" أشبه ما نكون وكأننا نقف في منتصف حقبة التطور،
جزء من وعينا وإدراكنا تطور بشكل لائق، ولكن ما زالت بقايا الوحشية والغوغائية راسخة في لا وعينا وتتحكم بنا وبقراراتنا على صعيد عام أو فردي.. أو أن هذا كان المقصود أساسا من فكرة هذا المخلوق الذي يدعى "إنسان" .. أن يكون ببساطة متناقضا.. خليطا من الشيء ونقيضه.
حين تحدق بتفاصيلنا، بشكل هزلي، تفكر .. لقد قمنا بتأسيس تجمعات بشرية أطلقنا عليها لاحقا اسم "حضارة".. حدث ذلك غالبا بالصدفة، حين تعبنا من السير والتنقل والركض خلف الأبقار والأسود، فقررنا اتباع "دايت نباتي" وبدأنا بالزراعة..
لقد اكتشفنا خطوة بعد خطوة، يوما بعد يوم كيف يكون استغلال الموارد والأشياء من حولنا بأفضل وأسوء طرق ممكنة، استعبدنا موارد الكون كلها، طوعناها لصالحنا، حتى وصلت الرفاهية والسخرية بنا أن جعلنا من الحيوانات التي لا نستطيع أكلها والتهامها، أصدقاء لنا، وأطلقنا عليهم اسم Pet.. ومن المضحك أن نشير أنه كان من الأفضل لنا ان نزرع ونتبع حمية نباتية .. فمن السهل أن نسيطر على النباتات لأنها لا تستطيع الهرب منا، فاخترعنا ما يسمى ب"التغذية النباتية"..
وقمنا بمحاكاة أسرار الكون فيزيائيا ورياضيا .. يبدو أن لغة الكون هي لغة الأرقام والمعادلات في النهاية، فكان منا من هم أكثر ذكاء من البقية .. حتى استطعنا بعقولهم الفذة احتلال السماء وأعماق البحار، حتى وصل بنا الحال إلى احتلال الفضاء.
المهم استطعنا بالصدفة أن نطيل أعمارنا، وبذات الوقت اخترعنا آلات تقتل ملايين منا. المهم في خضم كل ذاك زادت أوقات فراغنا، فخرج من رحم الفراغ الملل والضجر، الفن، والموسيقى، والفلسفة..
أوه، الفلسفة.. ! مفهوم عميق ..يعني أن تفكر بالتفكير.. أن تتأمل أفكارك واحدة تلو الأخرى..
وكأنك تقضي وقت فراغك تحاول تكبير شاشة عقلك، وتتأمل تفاصيل أفكارك بطريقة تدعو للجنون.
يا لنا من مخلوقات ذكية ومريبة في آن.. تطورنا بطريقة غريبة تماما.. لا مثيل لنا.. لكن حتى اليوم لم نفهم تطورنا.. ولا نفهم ما آل إليه حالنا وواقعنا ..
نحن فقط نحاول أن نجد أشباه إجابات هشة..
لدينا نزعات غريبة، وتكوين عجيب.. نؤسس أديانا تدعو للتسامح والغفران والرحمة، ونسارع في نشر "دعوات الحب والتسامح"،لكن، عبر القتل وهتك العرض والتهجير والتدمير وحملات شرسة..
مخلوقات تعاني من الجنون والاضطراب صراحة..
لدينا غريزة التطور والبناء والاختراع والاكتشاف، نحن مذهلين أليس كذلك؟ لكن.. بعد الإبداع والاكتشاف والاختراع والتطور نبدأ بالقتل والتدمير والتخريب "على طول" ..
جدالاتنا وحوارنا سرعان ما تصبح حروبا أهلية، ودينية، ووطنية.
اختلاقاتنا البسيطة سرعان ما تتحول إلى بحار من الدماء وإلى قتل بطريقة وحشية.
لكن هذه طبيعتنا، نحن نصف متحضر واعي يحاول البناء، ونصف وحشي همجي يستلذ بالقتل والتمثيل بالآخر وحرق الكوكب بأكمله.
طبيعتنا مريبة، وعقولنا أشبه بسراديب مظلمة تسكنها الأشباح.
تاريخنا أشبه بمسرحية هزلية لكنها مليئة بالدراما والمأساة أيضا.
في محاولاتنا لإيجاد المدينة الفاضلة أو بنائها، أقمنا حروبا عالمية، والعديد من الحروب الأهلية والدينية، وفي محاولاتنا لإيجاد الخالق المحب الرحيم، خلقنا جحيما على الأرض نقتل به كل من لا يعجبنا، أو يُخيفنا.
تاريخنا يعج بالكلمات النبيلة التي تحث على حياة أفضل، وبناء مجتمعات أفضل، من ديمقراطية وحرية ومساواة وعدل، لقد ابتدعنا دساتيرا، ودولا، وقوانينا، ومفاهيم متحضرة ولكن سرعان ما تسقط، وسرعان ما نبدأ بتطبيق أضادها.. فتاريخنا الحقيقي تحكمه العبودية، واللامساواة.
نحن فاسدون من أصغرنا إلى أكبرنا.. ممتلئون بالعنصرية والكراهية ونحب إطلاق الأحكام على بعضنا.
تعاطفنا نسبي، يختلف من إنسان إلى آخر، حسب شكله، دينه، طوله.
ويختلف من موقف إلى آخر.
من الممكن أن نتعاطف مع قط جائع، بينما نسخر من إنسان مشرد.
نتعاطف مع أنفسنا على ما أصابنا، ونسخر من مصائب قوم آخرين.
حتى الجنان جعلناها مقتصرة على فئة منا دائما، لا تشمل الجميع.
المهم، بين هذا وذلك ..
نحاول أن نجد قيمة لأنفسنا ولحياتنا، طوال الوقت، باختراع أفكار ووضع إيمانيات ومبادئ عبر مخيلتنا، نحاول من خلالها أن نجد سببا مقنعا لوجودنا.
أو لتساعدنا على فهم ذواتنا.. وملئ الفراغات في عقولنا.
ولا أعلم حقيقة إن كانت هذه الأفكار مجرد إلهام وهمسات ووهم يساعدنا فقط على السعي والاستمرار.
وهل كان سيصبح حال الكون أفضل وأقل صخبا من دون وجودنا ؟
أم أن حتمية التطور كانت تحاول اختبار شيء مثير للاهتمام أكثر ، مليء بالتناقضات والدراما، يجعل من الاستمرارية أكثر متعة بالرغم من سوداويتها والتراجيديا.
أم أننا في النهاية، لا قيمة لنا حقيقة، ولا معنى حقيقي مهم من وجودنا، أو من أفكارنا أو من سعينا..
وأننا على أي حال.. سنقضي قريبا على ذاك الجزء "الحضاري" منا .. تماما !
ولن نسمح له بالتجلي والتطور أكثر..
وبذلك قد نقضي على أنفسنا بأنفسنا.. عبر الذكاء البشري أو الذكاء الاصطناعي الذي يبدو أنه انعكاس لنا، وبات يحاول منافستنا على التدمير والتخريب.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات