الأكيد أن العالم بعد أزمة أوكرانيا لا يشبه ما سبقه في كثير من علاقاته وقواه

الأزمة الروسية الأوكرانية كشفت الستار عن الكثير مما كان تحاول الحكومات والقادة في العالم إخفائه، وعن الكثير مما يُحاك في الكواليس.

هذه الأزمة التي تسلط الضوء عليها وسائل الإعلام وتحتل الصدارة في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، لخصت الكثير مما يحدث هنا وهناك في بقاع الآرض، سواء إفريقيا، الشرق الأوسط، شرق آسيا.

ما يحدث اليوم هو أشبه بتبادل مستمر للاتهامات بين الأطراف، وكشف ملفات سرية، علاوة على تصريحات مضادة طوال الوقت، تجعلك تنظر إلى أبعد منها، ومحاولة قراءة ما بين السطور.

محاولات يائسة لكل طرف من الدول، الإعلان عن "عالم جديد" قائم على بنوده الخاصة وأحكامه وشروطه.

بنظري، لا أحد بريء هنا، ولا قوة خير وشر ضمن القادة والحكومات.

الحرب في صُلبها بين رؤوس الأموال، وحيتان الشركات الكبرى، أهمها "قطاع الطاقة".

والخاسر الأكبر هم "العامة"

علاوة على حكومات الدول الضعيفة اقتصاديا، المهمشة، التي لم تحاول لملمة خساراتها وإفلاسها إثر كارثة كورونا، ولم تتعافى بعد مما أصابها خلال العامين الماضيين.

هذه الأزمة القديمة الجديدة، الأزمة الأوكرانية الروسية، قد تكون مؤامرة ومتفق عليها بين الحكومات والقادة كما يحلل البعض، لإحلال نظام عالمي جديد لا يشبه ما قبله.

وقد تكون "فخا" لروسيا وقعت به وحاكته لها أمريكا كما يحلل البعض الآخر

أمريكا التي تبدو أنها الأقل تضررا مما يحدث، لكنها ليست بعيدة عن الخطر في كل الأحوال إذا ما تم التصعيد لاحقا، وعم الجنون من جديد لحرب عالمية ثالثة رسمية.

قد تكون محاولات استبدادية من قبل روسيا التي تريد أن تكسر شوكة أمريكا وتعيد برمجة العالم، بتوازن أكبر بين القوى العظمى، وعدم السماح لأمريكا بلعب دور الشرطي في العالم وإحلال نظرية العالم المقاد من طرف واحد قوي، كما يحلل آخرون.

وقد يكون ما يحدث اليوم، فتح شهية العديد من الدول الأخرى، كالصين وغيرها لمحاولة كسر شوكة أمريكا وفرض هيمنتها مجددا، وكل حسب حساباته ومصالحه الخاصة يأخذ موقفا.

وقد تكون هذه الأزمة سببا لإعادة الدول الأوروبية حساباتها وتفكيرها من جديد بالتخلص من تبعيتها للولايات المتحدة، وتقوية حدودها أمنيا وعسكريا ، حيث من المرجح أنها ستكون أكثر الأطراف متضررة خاصة اقتصاديا مما يحدث، ووقعت بين نارين من جديد.

أوروبا التي دفعت ثمنا باهظا في الحربين العالميتين السابقتين، والخارجة من كارثة اقتصادية إثر إغلاقات كورونا، والتي تحاول الحفاظ على توازن إنسانيتها وعلمانيتها وقيمها في ظل تصاعد اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة، والتحديات التي واجهت القارة العجوز بسبب كورونا.

التحليلات كثيرة وواردة.

لكن الأكيد أن العالم بعد هذه الازمة لا يشبه ما سبقه في كثير من علاقاته وقواه والتي تكشف عن هشاشة النظام العالمي وفساده.

هذا النظام الذي كان يُقصد بمؤسساته أن تكون معطلة، وكان يُقصد به أن يكون هشا، فاسدا ولا يعمل.

والذي مهما حاولنا إحلال كلمة الحق، وإظهار الحقيقة فيه، إلا أن الغموض يعتري كل الملفات والقضايا القديمة منها والحديثة.

لأن هذه الحكومات "القوى العظمة" تحاول جاهدة إخفاء الحقيقة، ولا جواب حقيقي واضح حيال أي ملف في الواقع.

ووسائل الإعلام اليوم ليست أفضل وسيلة لتأخذ كلمة الفيصل منها للأسف.

لكن ما أود التركيز عليه، حين نقرأ بين سطور ما يحدث، نرى أهمية ما يحدث لكشف الكثير من الهراء والمؤامرات الخبيثة التي تضر بمصلحة العامة.

كشفت الكثير من الضعف والفساد الإداري الذي يعاني منه العالم أجمع للأسف.

كشف عن ديكتاتورية الغرب وهشاشة الديمقراطية التي يتحدث عنها وينادي بها.

مصطلحات "الحرية الزائفة" و"الديمقراطية الهشة" التي دُمر من خلالها الكثير من البلاد في الشرق الأوسط وافريقيا.

يتم الكشف عن ازدواجية المعايير في إصدار الأحكام والتعامل مع القضايا الإنسانية.

كشف عن تداعي قيم الديمقراطية والقيم الإنسانية التي قامت عليها أوروبا حين تخلصت من ديكتاتورية القيصر والحكم الملكي وحكم الكنيسة.

كشف عن هشاشة كل قيم العدالة والمدنية والإنسانية التي تأسس عليها الغرب وضرورة انهيار المنظومة الحالية التي لم تعد تعمل والنظام العالمي بمؤسساته وأدواته المعطلة _عن قصد_، والسماح بنظام جديد وقيم جديدة تناسب التطور والوعي الجمعي المتطور في العالم أكثر.

إذا من الممكن أن نرى ما يحدث اليوم أيضا صراع قيم وأنظمة بدأت تنهار وتتلف وأصبح من الملح جدا إيجاد بديل لها قوي وحقيقي

فاليوم هناك قتال على أصعدة أخرى ومستويات أخرى لأجل الحرية الحقيقية والتخلص من قيود الوهم والأكاذيب حول "القلّة" وعدم توفر مصادر كافية للجميع، واستخدام أساليب الخوف والقمع وبث دعايات ندرة المصادر والموارد للتحكم بشكل أكبر وأفضل بالأغلبية.

اليوم نحن في وسط معركة كشف حقائق، والارتقاء بالوعي العام لمستويات أفضل، محاولات مستميتة لتخليص البشرية من التبعية العمياء لأحزاب وحكومات وقادة لم يكونوا سوى سببا في فقر العامة ومعاناتهم المستمرة.

الصراع طويل، ولا أرى النهاية قريبة، لكنها قادمة .. فلا حرب تدوم ولا نعيم دائم.

اليوم قد يكون العالم بحاجة لانهيار منظومة قائمة على الاستبداد بكافة أشكاله، والتجهيل المتعمد، والخوف والعنف لإحلال قيم جديدة.

من أفكار الحضارة والتطور والحرية الفكرية والمالية والتمتع بالوفرة للأغلبية وغيرها من القيم الإنسانية التي لطالما كان الإنسان يبني على أساسها حضارة ودول متطورة قادرة على الصمود أمام أي تحديات.

بعكس الإمبراطوريات القائمة على الفساد الإداري والديكتاتورية والعنف التي عاجلا أم آجلا كانت تلقى حتفها بطريقة أو أخرى.


ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة